وأعطى الله إبليس اللعين ما أعطاه من الفهم والتمييز لأن يطيعه ولا يعصيه، وأراد أن يطيعه تخيرا وإيثارا لطاعته، فكانت هذه إرادة معها تمكين واستطاعة، ولم يرد أن يطيعه قسرا، ولا أن يمنعه من المعصية جبرا، [فيكون إبليس اللعين في ذلك غير محسن ولا مسيء. فلم يحل بينه وبين المعصية قسرا، ولم يحمله على الطاعة جبرا] (1)، فمكنه وهداه، ثم أمره ونهاه، فرفض له الويل تقواه، واتبع هواه، وكفر نعم ربه، وكره تنزيله وحكمه، فكان كما قال الله سبحانه: {والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم} [محمد: 89]. فلو كانت الكراهة لما أنزل الله قضاء له فيهم، وفعلا ادخله سبحانه عليهم؛ لكانت من الله لا منهم، ولكان الكاره لتنزيله لاهم، ولكانوا ناجين من العقاب، وكانوا متصرفين في أمره في كل الأسباب، وكذلك المهتدون، لو كان هو الذي فعل هداهم، وزادهم في تقواهم، لم يقل: {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} [محمد: 17]، ولو كان ذلك كما يقول الجاهلون، وينسب إلى الله الضالون؛ لكان من اهتدى، ومن كره وأبى، في الأمر عندالله شرعا واحدا(2)؟ إذ كان كلهم في امره وقضائه له مطيعا، متقلبا(3) متصرفا في إرادته سريعا.
صفحه ۲۸۶