ولو حاولنا القياس على المحاكمة التي تمت وانتهت بقرار تفريق نصر أبو زيد عن زوجته، لوجب إجراء محاكمات مثيلة لشخصيات كبرى في تاريخ الإسلام تصل بعضها إلى درجة القدسية، مع تفاوت تلك الدرجة لدى المذاهب الإسلامية، فلدينا نماذج مثل الخليفة عمر بن الخطاب ، الذي ارتكب بهذه المعاني ما لم يسبقه إليه أحد، وما لم يلحقه إليه أحد، فقد أوقف العمل بحد السرقة عام الرمادة، ثم نهى عن متعة حلال، فخالف بذلك نص القرآن
يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم (المائدة: 87)، وذلك عندما وقف على المنبر النبوي، وقال: «متعتان كانتا على عهد رسول الله، وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما: متعة الحج ومتعة النساء.»
لن أناقش هنا مسألة الردة، وهل هي حد من الحدود المقررة في الإسلام من عدمه؛ فقد تعرض لها أساتذة أكفاء وفندوها تفنيدا محكما، لكني أسلك هنا سبيلا آخر أراه سبيل الإنسانية الحرة.
فنحن يمكننا أن نفهم الظروف التي أدت إلى حروب الردة زمن أبي بكر، ويمكننا أن نتفهم اغتيال المعارضين زمن النبي
صلى الله عليه وسلم ؛ وذلك بالنظر إلى ظروف الزمن آنذاك، حيث كانت دولة العرب الإسلامية في طور النشأة والتكوين، وكان إسلام الفرد آنذاك تعاقدا بشروط، حيث يعرض عليه الإسلام، وهو رجل بالغ عاقل راشد، ليختار بملء إرادته وحريته، ويدرك مقدما النتائج المترتبة على إخلاله بذلك العقد، كما يمكننا أن نفهم سر شدة العقاب للمعترض والمرتد آنذاك؛ حيث كان إنشاء دولة من عدم، ومن قبائل متفرقة متصارعة، مع ما يعنيه ارتداد فرد بارتداد قبيلته جميعا، وما يؤدي إليه ذلك من تفكيك عرى الدولة وتوحدها؛ لذلك تمت التضحية بأرواح كثيرة عند قيام الدولة لأنها كانت تنهض في وسط معاد لها تماما؛ لذلك كانت مضطرة أن تكون دولة عسكرية شديدة المراس طوال الوقت.
نعم يمكننا أن نفهم ذلك ونعيه جيدا، لكننا هنا في مصر وعلى مشارف القرن الحادي والعشرين، ومصر كانت دولة مركزية، وأمة متكاملة قبل أن تعرف الإسلام بألوف السنين، فما حكم المسلم هنا اليوم حيث يولد مسلما بحكم ميلاده في أسرة مسلمة؟ فلا هو اختار الإسلام عن دراية وإرادة ودرس واقتناع، ولا هو دخل في ذلك العقد عن بيئة واضحة نافية للجهالة، أفإن حاول من بعد أن يطمئن إلى طوية فؤاده، أو أن يناقش أمرا من أمور الدين ويجتهد فيه يحكم عليه بأنه مرتد؟ هكذا بكل بساطة؟!
هل نحن كون بذاته؟ أم نحن أبناء هذا العالم؟ لقد كافحت البشرية وناضلت، وقدمت ملايين الضحايا على مذبح كرامة الإنسان وحقوقه، حتى تمكنت من إرساء تلك القواعد الحقوقية، وأهمها حق حرية الاعتقاد، وحرية التفكير وحرية القول، وحتى استطاعت أن تقيم الدولة المدنية الديمقراطية، ونحن هنا لا نجرؤ على حرية الاعتقاد، فقط ربما حاولنا حرية الاجتهاد، وعندها تصدر ضدنا أحكام القتل، إما من أمير جماعة مأفون، أو من محكمة تابعة للدولة؛ لأن حكومتنا الرشيدة لم تع بعد التعارض الهائل بين مواد الدستور وبعضها، لم تع أن حقوق المواطن في دولة مدنية دستورية ومؤسساتية، تتعارض بل وتتضارب تضاربا صارخا مع البنود الأخرى في الدستور، وربما كانت قضية أبو زيد الآن هي الضارة النافعة، ومن ثم أرفع صوتي هنا وأطلب من كل شرفاء مصر أن يضموا أصواتهم إلى صوتي، للعمل على إعادة النظر في القواعد التي يمكن أن تسوغ للبعض إهدار أبسط حقوق الإنسان، حتى لو كانت تلك القواعد لإيجاد توازنات وسطية تحل بها الحكومة مشاكلها مع المعارضة الدينية، أو لرشوة تيار شعبي غير رشيد، فإما أن نقيم دولة مدنية حقا، أو لتخبرونا بوضوح أنكم مستريحون لوضعنا المزري هذا خارج التاريخ، ولنا في دستور 1923م أسوة حسنة، وكنا نحن واضعوه وليس آخر.
منذ فجر التاريخ والحج فريضة دينية1
«الدائرة هي أكمل الأشكال»: هذا ما أعلنه «فيثاغورس» في القرن الرابع قبل الميلاد، وقبله بحوالي نصف قرن كان الفيلسوف «طاليس» يؤكد أن الأرض مستديرة كالقرص تماما. وتوصل «أنسكمندريس» إلى أنها معلقة في الفضاء.
ووسع «بارمنيدس» النظرية، فقال إن الكون كله، ليس إلا كرة تامة الاستدارة. ولم يأت عام 350 قبل الميلاد، حتى كان «ديمقرطيس» قد عمم النظرية على الكون كله، حين انتهى إلى أن الكون كله يتركب من جسيمات مادية كروية الشكل متناهية في الدقة والصغر، هي الذرة.
صفحه نامشخص