69

رب الزمان

رب الزمان: الكتاب وملف القضية

ژانرها

وعليه فإن أية محاولة لإعادة النص إلى سياقه وبنائه الداخلي، ومحاولة تحليله وإدراك علاقاته ببعضه، وعلاقته بواقعه الحدثي وسياقه الخطابي - وهو الأمر الذي يعيد له احترامه ومفهوم قدسيته - كانت مثل تلك المحاولات، في معناها الأخطر هي ارتجاج عروش بدأت الأرض تميد من تحتها بالفعل، وآن مغربها. وعليه كان رد الفعل الذي أدهش كثيرين، رغم أنه لم يكن مدهشا على الإطلاق.

ويبدو أن الأمر سيظل كذلك بعض الوقت، وهو ما لن يحسمه إلا أن يضع المفكرون المخلصون بحسبانهم، أن القضية قضية نضالية في المقام الأول، إضافة لكونها قضية علمية، لا تحتمل تمييع المواقف، أو المصالحة حول مناطق وسطية تصالحية، فالأمر الآن مصير أمة بكاملها، لم يعد بالإمكان إخضاعه لنزوات الرجال وأهوائهم.

وإزاء التسارع في اتساع المسافة بين أحوالنا وأحوال الأمم المتقدمة، لم يعد هناك وقت لإرجاء حسم كثير من المواقف الفكرية، التي ترتبط بشدة بمصير البلاد والعباد، ويبدو أن هذا قدرنا، وأن هذا زمنها، فإن ذهب بلا حسم لكثير من القضايا المسلط فوقها سيف التكفير، ومنها القضية عنوان هذا الموضوع، فلن يكون هناك بعد مساحة لمناقشة أمور هذه الأمة؛ لأنه لن يكون بعد هناك أمة.

سر الأزمة

وأتصور أن من أهم ما استثار الرجال في المؤسسة المشيخية في أعمال «أبو زيد»، ذلك الموقف الذي أبرز فيه التناقض الناشئ عن القول بأزلية النص وثباته، وهو ما جاء واضحا في كتابه «مفهوم النص» يقول:

إن ظاهرة النسخ تثير في وجه الفكر الديني السائد المستقر إشكاليتين «يتحاشى مناقشتهما»، الإشكالية الأولى: كيف يمكن التوفيق بين هذه الظاهرة بما يترتب عليها من تعديل للنص بالنسخ والإلغاء، وبين الإيمان الذي شاع واستقر بوجود أزلي للنص في اللوح المحفوظ، والإشكالية الثانية: إشكالية جمع القرآن، وما يورده علماء القرآن من أمثلة توهم أن بعض أجزاء النص قد نسيت من الذاكرة الإنسانية، ولم يناقش العلماء ما تؤدي إليه ظاهرة نسخ التلاوة أو حذف النصوص سواء بقي حكمها أم نسخ أيضا، من قضاء كامل على تصورهم الذي سبقت الإشارة إليه، لأزلية الوجود الكتابي للنص في اللوح المحفوظ . إن فهم قضية النسخ عند القدماء، لا يؤدي فقط إلى معارضة تصورهم الأسطوري للوجود الأزلي للنص، بل ويؤدي أيضا إلى القضاء على مفهوم النص ذاته.

وهكذا بسط الرجل الأمر ببساطة وإنصاف، وعرض الإشكالية بموضوعية ودون استفزاز، فقط أكد أن الثبات الأزلي كمفهوم، يتناقض مع مفهوم النسخ، ولنلاحظ أن مفهوم النسخ بدوره كان معتمدا آخر لكثير من التبريرات للتوجهات القمعية، أو ما هو ضد مصلحة الأمة، وذلك باستخدامه تبادليا عند الحاجة مع مفهوم الأزلية، المهم أن «نصر» هنا إنما ينبه فقط إلى هذا التناقض، بدليل مسألة النسخ كما وردت في كتب علوم القرآن، دون أي محاولة للتدخل، الرجل أراد - فقط - فتح نافذة للنقاش، لكنها النافذة التي تسحب من رجال الفكر الديني أهم أدواتهم الانتهازية لسحق المواطن باسم الدين! وهو الأمر الذي يمكن أن يئول بالوطن في النهاية إلى مقلب نفايات الأمم، ومن ثم ندفع بالمسألة مسافة أبعد، ونطلب جهدا واضحا يربط إشكاليات النسخ بواقعها الموضوعي، من حيث كانت الآيات تعبيرا عن وقائع في حقل أحداث أدت إليها في زمانها، وهو ما سبق أن قدمنا فيه دراسة منشورة كمدخل ومقدمات،

2

من أجل وقف تزييف وعي المواطن، وتزييف الدين ومعاملته بانتهازية، ووقف الانزلاق التاريخي المهين لهذه الأمة نحو القاع.

التناقض

صفحه نامشخص