وربما كان من الأوفق الرجوع إلى بعض نماذج صفات الرب «يهوه» في التوراة، والتي كونت القناعة بالرب البركاني لدي «صليبي» - دون أن يذكرها - ولدى كثير من الباحثين، ولدى كاتب هذه السطور، ومن تلك النماذج:
وكان الرب يسير أمامهم نهارا في عمود سحاب، وليلا في عمود نار (خروج، 13: 21).
وحدث في اليوم الثالث لما كان الصباح، أنه صارت رعود وبروق وسحاب ثقيل على الجبل، وأخرج موسى الشعب لملاقاة الله، وكان جبل سيناء كله يدخن من أجل أن الرب قد نزل عليه بالنار، وصعد دخانه كدخان الآتون، وارتجف كل الجبل جدا، ونزل الرب على جبل سيناء إلى رأس الجبل (خروج، 19: 16-20).
الرب إلهك هو نار آكلة (تثنية، 4: 24).
على الأرض أراك ناره العظيمة، وسمعت كلامه من وسط النار (تثنية، 4: 36).
يمطر على الأشرار فخاخا، نارا وكبريتا وريح السموم (مزمور، 11: 6).
فارتجت الأرض وارتعشت أسس الجبال، ارتعدت؛ لأنه غضب، صعد دخان من أنفه ونار من فمه (مزمور، 18: 6-12).
صوت الرب يقدح لهب نار، صوت الرب يزلزل البرية (مزمور، 29: 7).
وكان منظر مجد الرب كنار آكلة على رأس الجبل، أمام عيون بني إسرائيل (خروج، 24: 17).
وهنا، لن يجد أي مهتم بدراسة التاريخ الإسرائيلي سوى التسليم ببركانية الإله، ثم التسليم أيضا بالمأزق الشديد المحير، إزاء ما أفادنا به الباحثون أن شبه جزيرة سيناء لم تعرف البراكين طوال تاريخها. ويبدو أن المأزق ظل علامة استفهام مؤرقة لصليبي، حتى تصادف وطالع كتبا تفصيلية لجغرافية شبه جزيرة العرب، أشعلت لديه فكرة جديدة تماما، يمكن أن يكون فيها الخروج من المأزق الذهني الملحاح، وأسئلته الحائرة المؤرقة، حيث وجد تطابقا مدهشا بين مواضع أسماء كثيرة بجبال عسير - وهي جبال بركانية عموما - وبين الأسماء التي وردت في التوراة للمواضع الجغرافية القديمة في تاريخ إسرائيل التوراتي. وعندما قام بعملية تدقيق لإحداثيات تلك المواضع، انتهى إلى يقينه الذي وضعه في شكل كشف خطير بحق، يؤكد أن كل الأحداث التوراتية إنما جرت في جبال عسير، وأن الإسرائيليين عرب أقحاح، وأنهم لم يدخلوا إطلاقا مصر الفرعونية، ولم يخرجوا منها قط، وأن هناك مغالطة تاريخية هائلة، أدت إلى هذا الخطأ التاريخي العظيم في معارفنا، وأنه مما يدعم وجود تلك المغالطة، هو غياب أي دليل وثائقي مباشر في مدونات مصر القديمة، يشير إلى دخول الإسرائيليين إليها أو خروجهم منها، أو إقامتهم فيها. ومن هنا شمر الدكتور الصليبي عن همته بإعادة النظر في الجغرافيا التوراتية محاولا إثبات أن جميع الأحداث التي جرت والمواقع التي حدثت بها تلك الأحداث، لم تقع لا في مصر، ولا في فلسطين، ولا فيما بينهما «سيناء»، بل وقعت جميعا بلا استثناء في مرتفعات عسير بجزيرة العرب، معتمدا على تحليل لغوي مقارن، طابق فيه بين المواضع الجغرافية التي أوردتها التوراة، وبين مقابلها في غربي جزيرة العرب.
صفحه نامشخص