رب الثورة: أوزيریس وعقیدة الخلود في مصر القديمة
رب الثورة: أوزيريس وعقيدة الخلود في مصر القديمة
ژانرها
إن الفكر ليقف مليا أمام بعض أحداث التاريخ المصري القديم؛ يتساءل دهشا، يبحث عن إجابات، وعادة ما لا يتوقف الفكر متأنيا إلا إزاء ما يثير استغرابه ودهشته، أو أمام ما قد يراه متناقضا أو مختلفا عليه، أو أمام ما قد لا يكون مقنعا أو منطقيا.
ولعل أهم ما يثير التساؤل في هذا التاريخ، هو: أحداث ما سمي بالصراع الاجتماعي في نهايات الدولة القديمة، وتكراره في نهايات كل من الدولتين الوسطى والحديثة، تلك الإثارة التي نتجت عن عدم استقرار أو اتفاق آراء المؤرخين حول:
تفسير معنى هذا الصراع: هل كان مجرد اضطرابات واختلال أمني، ناتج عن ضياع نفوذ الملكية بضياع المركزية، كما تذهب الأكثرية؛ أم كان ثورة جماهيرية طبقية حقيقية، كما تذهب الأقلية؟ وأي الرأيين أقرب إلى الصحة والسلامة المنطقية؟
وتوقيت هذا الصراع، هل حدث كما ذهبت الجمهرة الغالبة بعد نهاية الأسرة السادسة؛ أم قبل هذه النهاية؟
ونظرا لجوهرية هذا الأمر؛ فإننا نرى أنه لو أمكن تدعيم رأي من ذهبوا إلى توقيته إبان وجود الأسرة السادسة، فسيتغير تفسير هذه الفترة التاريخية كليا، أي: سيصبح هذا الصراع هو السبب المباشر لسقوط الدولة القديمة برمتها، وليس نتيجة لهذا السقوط كما ذهبت الجمهرة الغالبة، ولن يصبح مجرد اضطرابات أمنية وفوضى عامة، وإنما ثورة حقيقية كان لها - لا ريب - أعمق الأثر في تغيير التاريخ، وربما العقائد أيضا، إذا صدق حدسنا.
وهنا تبدأ الفلسفة بأخذ دورها في منطقة التاريخ؛ فالفيلسوف الألماني «هيجل» أعلن إيمانه بأن «المنهج السليم، والجدير بالبحث الفلسفي، هو: تناول التاريخ حينما يبدأ ظهور النزعة العقلية في الشئون الدنيوية»،
1
وفي هذا العصر الذي نحن بصدده، ظهرت - ولا شك - هذه النزعة العقلية بأجلى معانيها، عند عدد من حكماء العصر، مثل: آبي أور الشيخ الحكيم، ونفر رحو، والفلاح الفصيح، وغيرهم كما سنرى، وحيث كان هم هؤلاء الأكبر هو: إعمال العقل في إيجاد حل لمشكلات عصرهم الدنيوية.
لذلك فلا مفر من العودة ثانيا إلى هذا العصر؛ نستنطق أحداثه الاجتماعية على طريقة «كولنجوود»؛ لعله يعطينا لهذه التساؤلات تفسيرات قريبة إلى منطق الفلسفة، الذي هو منطق التاريخ أيضا.
وتعليقا على الحالة الاجتماعية في عصر الدولة القديمة؛ يقول «إريك بيت»: «وكانت هوة واسعة تفصل هذه الطبقة - يقصد طبقة النبلاء - عن طبقة الفلاحين، الذين كانوا كالأرقاء في مزارع الملاك، وفيما يتعلق بأحوال العيش في عهد الدولة القديمة، فأنا أميل إلى القول بأن النبلاء وكبار الموظفين كانوا سعداء جدا، وأن الأجراء كانوا على جانب عظيم من الشقاء؛ ذلك أن هؤلاء لم يكونوا - فيما يلوح - أكثر من عبيد ملحقين بالضياع الكبيرة، ينتقلون من سيد إلى سيد مع الأرض، كأنهم جزء منها لا يتجزأ، وكانوا يجلدون بلا شفقة ولا رحمة لأقل هفوة.»
صفحه نامشخص