179

إذن لم تكن جمهرة أحاديث هؤلاء مما تتحلب له الشفاء، ويتنزى على ذكره عصير المعد، بل لقد كان حديث «حكائيهم» في السياسة العليا، وفي شوكة السلطان، أو الخليفة، أو «الياديشاه» وما له من قصور تزخر بالعين الحور، وما تخرج يلدز للمقربين من موائد تعد في كل يوم بالآلاف، تجمع كل واحدة منها عشرات الصحاف ... إلخ.

أما جنود السلطان وفيالقه وجيوشه وكتائبه، فمما «لو رمي بواحدة منها مناكث الأرض لم تثبت على قدم!»

وناهيك بما أصاب هؤلاء الرواد من متع دونها ما وصف، نعيم أهل الجنة، وناهيك بما وقفوا عليه من أسرار السياسة، سياسة الباب العالي التي سيدين لها العالم، وتحشر بين يديها دول الأرض في قريب من الزمان!

وقبل أن أعرض عليك نماذج من أحاديث أولئك الحكائين، أرى لزاما أن أقرر أن عيش الحر في تلك البلاد في عهد السلطان عبد الحميد لم يكن إليه سبيل بحال من الأحوال، ويحسب المرء أن يرفع بصره إلى قصر من القصور السلطانية، أو يحرك لسانه بكلمة واحدة في السياسة أو يذكر الجيش ولو بالخير، أو ينطق باسم عبد الحميد يريد به أي إنسان كان يحسبه شيء من هذا ونحوه لتخطفه «الخفية»

1

خطف العقبان، وسرعان ما تلقي به في مطق

2

يظل يتخلج في ظلامه الأيام الطوال، حتى يأذن الله بطلعة المستنطق

3

فإذا قضى أياما أخر بين السين والجيم وقف المسكين على مفترك الحظوظ، فإما إطلاق وهذا هو الفوز الأكبر، وإما أمر بترك البلاد إذا لم يكن من أهلها، وهذا هو الفوز نمرة 2، وإما ترك له في السجن ونسيان، حتى يأذن الله بالفرج بعد عام أو أعوام، وإما نفي في بعض قواصي الولايات، وإما إلقاء في البسفور حيث يفرح له في بطون الحيتان!

صفحه نامشخص