266

قوت القلوب

قوت القلوب

پژوهشگر

د. عاصم إبراهيم الكيالي

ناشر

دار الكتب العلمية - بيروت

شماره نسخه

الثانية

سال انتشار

١٤٢٦ هـ -٢٠٠٥ م

محل انتشار

لبنان

والعاملون مغرورون إلا المخلصين والمخلص على وجل حتى يختم له به ولم يكن العالم عند العلماء من كان عالمًا بعلم غيره ولا حافظًا لفقه سواه، هذا كان اسمه راوية وواعيًا وحاملًا وناقلًا. وقد كان أبو حازم الزاهد يقول: ذهب العلماء وبقيت علوم في أوعية سود، وقد كان الزهري يقول: كان فلان وعاء للعلم وحدثني فلان وكان من أوعية العلم ولا يقول كان عالمًا، وكذلك جاء الخبر: رب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وكانوا يقولون حماد الراوية يعنون أنه كان راويًا ودخول الهاء في الاسم للمبالغة في الوصف كما يقال علاّمة ونسّابة، وإنما كان العالم عندهم الغني بعلمه لا بعلم غيره وكان الفقيه فيهم هو الفقيه بفقه علمه وقلبه لا بحديث سواه، كما جاء في الأثر: أي الناس أغنى؟ قال: العالم الغني بعلمه إن احتيج إليه نفع وإلا اكتفى عن الناس بعلمه لأن كل عالم بعلم غيره فإنما صار عالمًا بمجموعه، فمجموعه هم العلماء وكل فاضل بوصف سواه فموصوفه هم الفضلاء، فإذا تركهم وانفرد سكت، فلم يرجع إلى علم لنفسه يختص به فصار في الحقيقة موصوفًا بالجهل واصفًا لطرائق أهل الفضل موسومًا بعلم السمع والنقل فمثل العالم بعلم غيره مثل الواصف لأحوال الصالحين العارف بمقامات الصديقين ولا حال له ولا مقام فليس يعود عليه من وصفه إلا الحجة بالعلم والكلام، وسبق العارفون بالله في الحجة بالأعمال والمقام، فمثله كما قال الله تعالى: (وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) الأنبياء: ١٨، وكقوله ﷿: (كُلَّما أضَاءَ لهُمْ مَشَوْا فيهِ وإذا أَظْلمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) البقرة: ٢٠ لا يرجع إلى بصيرة فيه بما اشتبه من ظلمات الشبه عليه مما اختلف العلماء فيه ولا يتحقق بوجد منه فيه يجده عن حال ألبسها بوجده وإنما هو متواجد بوجد غيره فغيره هو الواجد وشاهد على شهادة سواه، فالسوي هو الشاهد، وقد كان الحسن يقول: إن الله ﵎ لا يعبأ بصاحب رواية إنما يعبأ بذي فهم ودراية، وقال أيضًا: من لم يكن له عقل يسومه لم تنفعه كثرة مروياته للحديث وقد أنشدنا لبعض الحكماء في معنى ذلك: العلم علمان فمصنوع ومطبوع ... ولا ينفع مجموع إذا لم يك مصنوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع وكان الجنيد ﵀ كثيرًا ينشد: علم التصوّف علم ليس يعرفه ... إلا أخو فطنة بالحق معروف وليس يعرفه من ليس يشهده ... وكيف يشهد ضوء الشمس مكفوف لأن الكتب والمجموعات محدثة والقول بمقالات الناس والفتيا بمذهب الواحد من الناس وانتحاء قوله والحكاية له في كل شيء والتفقه على مذهبه محدث لم يكن الناس قديمًا على ذلك في القرن الأول والثاني، وهذه المصنفات من الكتب حادثة بعد سنة

1 / 272