(ومن شروط المستفتى أن يكون من أهل التقليد)، أي ليس من أهل الاجتهاد لكونه لم يجتمع فيه شروطه، (فيقلد المفتي) أي المجتهد (في الفتوى).
وأشار بذلك إلى مسألتين:
إحداهما: أنه لا يجوز تقليد كل أحد، بل إنما يقلد المجتهد إن وجده.
والثاني: أنه إنما يقلده في الفتوى، ولا يقلده في الأفعال، فلو رأى الجاهل العالم يفعل فعلا لم يجز له تقليده فيه حتى يسأله، إذ لعله فعله لأمر لم يظهر له، أي المقلد.
وعلم منه أن من كان من أهل الاجتهاد لم يجز له أن يقلد غيره كما نبه عليه بقوله: (وليس للعالم) أي المجتهد (أن يقلد) غيره، لتمكنه من الاجتهاد، هذا هو الصحيح، وقيل: يجوز.
(والتقليد قبول قول القائل بلا حجة) يذكرها.
(فعلى هذا قبول قول النبي صلى الله عليه وسلم) فيما يذكره من الأحكام (لا يسمى تقليدا)، لأنه يجب الأخذ بقوله فيما يذكره من الأحكام، وإن لم يذكر دليل ذلك الحكم، لأنه قد قام الدليل على قبول قوله، أعني المعجزة الدالة على رسالته.
(ومنهم من قال التقليد قبول قول القائل وأنت لا تدرى من أين قاله) أي لا تعلم مأخذ ذلك القول عند قائله.
(فإن قلنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بالقياس) أي يجتهد ولا يقتصر على الوحي (فيجوز أن يسمى قبول قوله تقليدا)، لاحتمال أن يكون قاله عن اجتهاد.
وإن قلنا: إنه لا يجتهد وإنما يقول عن وحي لقوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى} فلا يسمى قبول قوله تقليدا لإسناده إلى الوحي.
وهذه المسألة فيها خلاف، أعني مسألة اجتهاده صلى الله عليه وسلم والصحيح جواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم ووقوعه منه، وهو الذي رجحه ابن الحاجب.
وقيل: لا يجوز، وقيل: يجوز في الآراء والحروب.
صفحه ۶۰