وفي إثبات المصنف للحقيقة الشرعية والعرفية دليل على اختيار القول الثاني، وهو الراجح، وإن اقتضى تقديمه للقول الأول على ترجيحه.
وجعل المصنف الحقيقة والمجاز من أقسام الكلام مع أنهما من أقسام المفردات، إشارة إلى أن المفرد لا يظهر اتصافه بالحقيقة والمجاز إلا بعد الاستعمال لا قبله، والله أعلم.
(والمجاز إما أن يكون بزيادة أو نقصان أو نقل أو استعارة.
فالمجاز بالزيادة مثل قوله تعالى: {ليس كمثله شيء})، فالكاف زائدة لئلا يلزم إثبات مثل له تعالى؛ لأنها إن لم تكن زائدة فهي بمعنى مثل، فيقتضى ظاهر اللفظ نفي مثل مثل الباري، وفي ذلك إثبات مثل له وهو محال عقلا، وضد المقصود من الآية، فإن المقصود منها نفي المثل، فالكاف مزيدة للتأكيد، وقال جماعة: ليست الكاف زائدة والمراد بالمثل الذات كما في قولهم: مثلك لا يفعل كذا، لقصد المبالغة في نفي ذلك الفعل عنه، لأنه إذا انتفي عمن يماثله ويناسبه كان نفيه عنه أولى.
وقال الشيخ سعد الدين (¬1): القول بأن الكاف زائدة أخذ بالظاهر، والأحسن ألا تكون زائدة وتكون نفيا للمثل بطريق الكناية التي هي أبلغ، لأن الله سبحانه موجود قطعا، فنفي مثل المثل مستلزم لنفي المثل، ضرورة أنه لو وجد له مثل لكان هو تعالى مثلا لمثله، فلا يصح نفي مثل المثل، فهو من باب نفي الشيء بنفي لازمه، كما يقال: ليس لأخي زيد أخ، فأخي زيد ملزوم، وأخي لازمه، لأنه لا بد لأخي من أخ هو زيد، فنفيت اللازم، وهو أخو أخي زيد، والمراد نفي ملزومه وهو أخو زيد، إذ لو كان له أخ لكان لذلك الأخ أخ وهو زيد.
(والمجاز بالنقصان مثل قوله تعالى: واسئل القرية) أي أهل القرية، ويسمى هذا النوع مجاز الإضمار، وشرطه أن يكون في المظهر دليل على المحذوف، كالقرينة العقلية هنا الدالة على أن الأبنية لا تسأل لكونها جمادا.
صفحه ۲۳