وكان ذلك الاهتمام ظاهرا حتى في إشارات القرآن الكريم، الذي جاء فيه: ?وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها?(الشورى:7).. فاعتبار مكة الهدف الأول للدعوة، ووصفها ب(أم القرى) يعطي جملة من الدلالات، منها: أن استجابة أهل مكة للإسلام سيسهل استجابة القبائل الأخرى، ويحدث نقلة نوعية في مسيرة الدعوة.
ولكن قريشا سجلت أعتى تمرد على الإسلام، لشعورها بخطر الدعوة الجديدة على زعامتها التي ظلت تحافظ عليها مئات السنين، خصوصا عندما أدركت أن الإسلام يسعى لإحداث تغيرات جذرية في حياة المجتمع، تهدف إلى تحرير الإنسان وإعادة صياغة مفهوم الزعامة الدينية، وربطها بصلاح الفرد وكفاءته، لا بمجرد انتمائه إلى قبيلة أو انتظامه في جماعة، فكان قرار قريش - كتجمع - الرفض والجحود وعدم الإصغاء، حتى ? قال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون?(فصلت: 26).
وأدى موقف قريش هذا، إلى استياء النبي صلى الله عليه وآله وسلم استياءا بالغا، فأنزل الله عليه: ?قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون?(الأنعام:33)؛ ليهون عليه ويكشف له أن موقفهم قائم على العناد والتمرد، وليس عن عقيدة يرونها خيرا مما أتاهم به.
ولم يكتف مشركو قريش بالرفض والجحود، بل تعدى ذلك إلى إيذاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتضييق على أتباعه وقمعهم بطريقة بشعة تتنافى حتى مع أعرافهم وتقاليدهم، مما اضطر المسلمين للجوء إلى سواهم من القبائل الأخرى والقوميات المختلفة.
صفحه ۹