وبدى التيار الأموي قلقا من بيعة علي، فاشترط معاوية الذي صار عميد الأمويين بعد عثمان لبيعته أن يترك على ولاية الشام(1)، فلم يلتفت علي إلى مساومته، وبذلك ضاعت أحلام المتسللين إلى الفضيلة الدينية على أساس الانتماء العشائري؛ فقرروا التمرد على خليفة المسلمين والخروج عن طاعته، كما فعل غيرهم أيام أبي بكر وعمر، فلم يعبأ بهم وقال: «مالي ولقريش!! والله لقد قاتلتهم كافرين ولأقاتلنهم مفتونين، وإني لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم»(2). واستمرت ثورة علي في الإصلاح الاجتماعي حتى لقي الله شهيدا بعد خمس سنوات قضاها في الخلافة، وبوفاته أنتهت فترة ما عرف بالخلافة الراشدة، وأخذت الأمور تمضي في اتجاه آخر.
الصراع داخل البيت القرشي
بعد مقتل الإمام علي بن أبي طالب قويت شوكة أبناء الطلقاء فتغلبوا على من بقي من المهاجرين والأنصار وأبنائهم، وخرج الأمر من أيدي الجميع، وانقلب الأمويون على أدب الخلافة ومسيرتها ولم يحفظوا منها غير شرط قرشية الخليفة، فأبرزوه وروجوه بعشرات المواقف والنصوص التي شكلت على هيئة أحاديث وأفرغت في قوالب دينية توارثتها الأجيال، حتى صارت جزءا من ثقافة المسلمين، وصار المنازع في ذلك عندهم خارجا على الجماعة متمردا على الخلافة الإسلامية!!
صفحه ۳۴