وغاية ما تجده حول ردهم بخصوص تللك الآيات هو ما نقله الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية 10/327 ) من تأويل محض ، بالظن والاحتمال غايته صرف اللفظ عن ظاهره وحقيقة معناه ليس إلا ، بلا دليل أو قرينة ، وهو للإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- الذي عرف بنصوصيته وشدة كراهيته للتأويل من حيث المبدأ وقراءته للنصوص قراءة حرفية ظاهرية حتى وإن تعارض ظاهرها مع أدلة قطعية توجب التأويل أو قرائن تستدعي ذلك ، فإذا به يقدم تأويلا عجيبا غريبا بلا دليل أو قرينة لتلك الآيات القرآنية ، وحسبنا أن كثيرا من علماء الحنابلة المتأخرين تجاوزوا ذلك التأويل ،ولم يحتجوا به لعدم صلاحيته، وإن أورده أحدهم فإنما يورده على استيحاء من باب النقل دون تعليق أو توقف عنده أو تعويل عليه ، وهذا التأويل كما نقله ابن كثير هو قوله : ( ومن طريق أبي الحسن الميموني عن أحمد بن حنبل أنه أجاب الجهمية - يقصد المعتزلة- حين احتجوا عليه بقوله تعالى: ( وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون ) قال : يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المحدث لا الذكر نفسه هو المحدث )(2) !! ، وهذا تأويل محض لا دليل عليه ولا قرينة ، ويكفي قوله ( يحتمل ) !، في حين أن الآية واضحة وصريحة في وصفها للذكر بأنه محدث لا تنزيله ، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن كون الذكر منزلا ، والله أنزله ، هو في حد ذاته دليل على حدوثه لأنه لو كان قديما لما جاز عليه النزول ، ولما وصفه الله بالنزول الذي هو من علامات الحوداث ، على أن الإمام أحمد بن حنبل نفسه لم يقتنع بذلك الاحتمال والتأويل الذي نقضه في وقت لاحق على ما يبدو ، وأتى بآخر أطم وأعجب من سابقه .
وهو ما أورده ابن كثير أيضا عقب ما سبق إيراده مباشرة بقوله : ( وعن حنبل عن أحمد أنه قال : يحتمل أن يكون ذكر آخر غير القرآن ) (3).
صفحه ۶۲