قال سليمان: في الجامعة إن شاء الله؟
قال الدكتور: لا، في المؤسسة ...
هتف حامد: مؤسسة اللحوم ...
ضحك الدكتور بصوت جعله يتعجب من نفسه: كل شيء جائز، لكنهم طلبوني في مؤسسة الطاقة الذرية، قال حامد: الذرية؟ يعني حضرتك دكتور في الذرية، قال سليمان ينبهه: يا جدع ده دكتور في الذرة، أول واحد في المديرية كلها. قال حامد وكأنه فهم: آه! طيب كنت قل من الأول. ضحك الدكتور وأمسك برأس حامد وقبله، لم يدر لماذا فعل هذا.
سار الثلاثة صامتين، كان الدكتور يسأل بين حين وحين عن الزرع والمحصول، أو يستفهم عن غيط يبدو من بعيد، أو عن التقاوي الجديدة وحال الناس مع الجمعية والدودة التي قرأ وهو في البعثة عن بهدلتها للقطن والفلاحين، وعاد يسأل عن البيت والمنضرة، وهل يسهرون فيها كالعادة في رمضان؟ ثم التفت لأخيه وقال: لم تفدني عن صحة الوالد؟ هل وصلتكم آخر شحنة من الدواء؟ سمع حامد يهمس في أذن أخيه بصوت مسموع: قل له، يا رجل قل له.
قال سليمان بعد أن تغلب على تردده: اسمع يا دكتور.
قال الدكتور: تكلم يا سليمان، خير إن شاء الله. وأراد سليمان أن يقول خيرا أو يقول شيئا آخر حين رن في سمعه صوت رجال يهتفون: تفضلوا يا جماعة، تفضلوا يا إخواننا، نفسكم معنا يا شيخ سليمان، ونظروا فرأوا جماعة من الفلاحين ملتفين حول شيء لم يره الدكتور، ولمح الدكتور بقرة تقف بعيدا عنهم بقليل، ورجلا يمسك بحبل مربوط حول رقبتها، أما الجماعة التي نادت عليهم فكان معظمهم راكعا على الأرض حول ثور ممدد بطوله كالبطل الصريع، وكان بعضهم يمسك برأسه أو قرنيه وبعضهم برجليه الأماميتين والخلفيتين، في حين راح رجلان يقيمانه من ظهره ويدفعانه بكل قوتهما على الوقوف.
تقدم الدكتور بعد أن قرأ السلام، فاقتحم الحلقة حتى اقترب من الثور، قال رجل: حصلت البركة يا سيدنا الأفندي، وقال آخر: عنك أنت يا بيه، لا مؤاخذة الثور داخ شوية ووقع على الأرض. ضحك بعض الرجال. تقدم سليمان وحامد ليساعدا في رفع الثور عن الأرض، لاحظ الدكتور أن الثور ينهج ويزفر بصوت كحشرجة الموت، أقبل على رأسه يفحصه، ورأى كيف تنظر إليه عيناه الواسعتان، قال أحد الرجال بعد أن عرف من حامد أنه دكتور: يدك فيها البركة يا دكتور، ربنا يجعل فيها الشفا إن شاء الله، نبه سليمان إلى أن شقيقه دكتور في الذرة لا في الثيران. لم يفهم الرجل فاستمر يقول: أصل لا مؤاخذة كنا ننططه على البقرة، لكن يظهر أن الثيران ما عاد فيها حيل! ضحك أحد الرجال، وكان يمسك بساق الثور ويدلكها: طيب والنبي مصيره ينطحك يا عبد الله.
سأل حامد فجأة وكان يجاهد مع الرجال في رفع الثور: إلا قل لي يا سي الدكتور، صحيح أمريكا فيها ناطحات السحاب؟ يعني دول لا مؤاخذة ثيران ولا بقر؟
قال سليمان: والله إنتم اللي تعيشوا وتموتوا عالم بقر!
صفحه نامشخص