وتأكَّد الطلبُ، وتكرّر من فضلاء لا تنبغي مخالفة إشارتهم، مذكِّرين بقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (١)، ومشيرين إلى قوله ﷺ: "مَن سُئِلَ عن علمٍ فَكَتَمَهُ ... " الحديث (٢)، مع إيراد بعض الفضلاء المشاركين في علم الهندسة شبهة ينبغي هو رسمها بلسان أهل الفن، لكونه -حفظه الله- مظهر السمت الحسن.
فعند ذلك امتثلتُ الإِشارة، معترفًا بالقصور والحقارة، فقلتُ مستمدًّا من الملك الوهَّاب التوفيق لصوب الصواب:
اعلم أيُّها الأخ الفاضل أنَّ المولى جلَّ شأْنُه، وعزَّ سلطانه، لما اقتضت حكمته الخفيَّة إيجادَ عباده للقيام ببعض حقوق العبودية، خلق بيته العظيم، وشَرَّفَهُ بإضافةِ التشريفِ والتكريم (٣)، واختار له أشرف الأشكال الخمسة والثلاثين، وهو الشكل المربَّع لما سبق في علمه القديم، أن سيصير قبلة لمن في الجهات الأربع، أعني المشرق
_________
(١) سورة المائدة: الآية ٢.
(٢) أخرجه أبو داود في سننه (٣/ ٣٢١) كتاب العلم، باب كراهية منع العلم.
وأخرجه الترمذي في سننه (٥/ ٢٩) كتاب العلم، باب ما جاء في كتمان العلم؛ وابن ماجه في سننه (١/ ٩٦) في المقدمة، باب من سئل عن علم فكتمه.
ولفظ الحديث: "من سُئِل عن علمٍ فكتمَهُ، أَلْجَمَهُ الله بلجام من نار يوم القيامة".
وحسَّنه الترمذي وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي.
(٣) كما في قوله تعالى في سورة البقرة، الآية ١٢٥: ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥)﴾.
قال البغوي في تفسيره (١/ ١١٤): "أضافه إليه تخصيصًا وتفضيلًا".
1 / 17