قصتان: عيد سيدة صيدنايا وفاجعة حب
قصتان: عيد سيدة صيدنايا وفاجعة حب
ژانرها
في هذه اللحظة انكشف لي سر الانفعال الشديد الذي استولى عليه على أثر تطويق السيدة و. عنقه بذراعها البضة، وضمها إياه إلى صدرها أثناء الرقص، وتأكد لي أن حبا خالصا قويا يفعم نفسه، ورأيت أن سليما في حاجة إلى الاختلاء، وأن وجودي معه لا يخفف شيئا مما به، فانسللت من الغرفة، وعدت إلى منزلي، وقد عقدت النية على أن أزوره في الغد، فلما زرته في اليوم التالي وجدته أميل إلى الهدوء، وإن كان في مظاهره ما ينم عن بقية جزع.
مرت على أثر ذلك أيام، عاد بعدها إلى سليم صفوه، وعاوده جذله ونشاطه، فعكف على عمله الموسيقي بارتياح نفسي جلي، وتفاءلت أنا خيرا إلى أن كان ذات يوم زرته فيه فوجدته جالسا إلى البيانو على عادته، وأمامه أوراق السلم الموسيقية ينظم عليها أنغامه الجديدة، ويجربها ثم يمحو ويغير ويبدل حتى يستقيم له النغم الذي يريد، فجلست حذاءه، وأخذت في مطالعة كتاب أدبي كان بيدي وتابع هو عمله، وبينا نحن كذلك إذا بالباب قد طرق، ودخلت خادمة البيت وفي يدها كتاب دفعته إلى سليم ففتحه وقرأ وفكر قليلا، ثم دفعه إلي فتناولته وقرأت:
عزيزي سليم
لقد مرت الأيام، وكادت تكر الأعوام على اجتماعنا في منزل السيدة ك. وكنت كل هذه المدة أتردد إلى هذه السيدة معللة النفس بالحظوة بلقياك، ولكن على غير طائل، قد تستغرب هذا الأمر مني، ولكن هو الواقع الذي لم يبق لي سبيل إلى كتمانه عنك، فإنك قد وقعت من نفسي موقع الحبيب الذي أصبو إليه، وأشتهي مرآه بل إن حبك قد تملكني حتى لم يعد في قوس صبري منزع، وأنا التي كنت من الهيام مناط الثريا، فلم يجرب رجل أن يستهويني إلا كانت الخيبة نصيبه، ولكني وجدتك رجلا لا كالرجال، بل لا أبالغ إذا قلت: إنه ليس لك مثيل في هذه البلاد العجيبة الغريبة، وإني كلما رأيتك مرة في الشارع عدت إلى البيت وفي نفسي ثورة لا تستكن.
إني ترددت كثيرا في كتابة هذه الرسالة إليك، ولكن العاطفة كانت أقوى من الإرادة، وقد دفعني الحب فاندفعت، فإذا بلغتك هذه الرسالة فاعلم أني بانتظارك كل يوم بعد الظهر في منزل السيدة ك. ولا أراك إلا ملبيا نداء الغرام، ولك مني الآن قبلة حارة أطبعها على توقيعي.
و.
ولما فرغت من قراءة هذا الرقيم تبادلت وسليما نظرا طويلا ثم نهض سليم من مجلسه كمن تنبه لأمر خطير وذهب إلى طاولة صغيرة واقفة في زاوية من زوايا الغرفة، وكان يتخذها مكتبة له فجلس إليها وتناول ورقا وقلما وكتب رسالة إلى السيدة و. أطلعني عليها فإذا هي كما يلي:
أيتها السيدة العزيزة
لقد جمعتنا الصدفة في بيت السيد ك. للمرة الأولى، وإنه ليؤسفني أن يكون ذاك الاجتماع قد أوجد في قلبك مثل العواطف القوية التي تتحدثين عنها، يؤسفني ذلك جدا؛ لأني أشعر بما تعانين في حياتك من الآلام الداخلية دون أن يكون في إمكاني تخفيف شيء منها، وإني لو حاولت ذلك لكنت كاذبا فيما أقول أو أفعل، وقلبي لا يطاوعني على الكذب، وضميري لا يرتاح إلى الخيانة، فإن حبا حقيقيا يملأ نفسي، ومتى وجد الحب الحقيقي فلا سبيل إلى التبديل، وكل محاولة من هذا القبيل تكون بلا شك محاولة فاسدة فاشلة، ولا أظنك ترضين الفشل لنفسك ولي، فتحملي آلامك بصبر، فذلك فضيلة يندر مثلها، ولا تدعي رجلا ينغمس في الإثم، ثقي بأنني أشعر بالألم الذي تشعرين، ولكن لتكن آلامنا عبرة لا نكبة، وإذا كانت نكبة فمن الخير أن تبقى فينا، ومن الشر أن تنتقل إلى غيرنا.
أشكر لك مدحك إياي، ولكنك أخطأت في وضعي فوق أبناء قومي، فما أنا إلا واحد منهم، وأرجو أن تحملي كلامي هذا على محمل الإخلاص، وإذا كانت العواطف التي في قلبك حقيقية، فهي ولا شك تعينك على فهم ما أغلق على الآخرين، والفهم يحولك عن طلب العزاء الخاص الذي قد يكون مصدرا للضرر إلى طلب العزاء العام، فكلنا يحتاج إلى العزاء، وتكرمي بقبول سلامي واحترامي.
صفحه نامشخص