قصتان: عيد سيدة صيدنايا وفاجعة حب
قصتان: عيد سيدة صيدنايا وفاجعة حب
ژانرها
ولم يشأ إبرهيم أن يبقى واقفا في مكانه، فمشى برفيقته بضع خطوات محاولا أن يتابع سيره فاعترضه جرجس وهو لا يزال على الشكل المتقدم وصفه وقال له: «إن ذاك السيف الذي تراه على الأرض ينتظرك لإنهاء البراز الذي بدأناه السنة الماضية في مثل هذا اليوم.»
ما كاد جرجس ينتهي من عبارته هذه حتى أحس إبرهيم أن نجلا قد ارتعشت مع أن ذراعه اليمنى مطوقتها، فالتفت إلى من حوله وإذا أنيس واقف إلى جانبه وفي يده عصاه الكبيرة التي لا تفارقه فقال له: «أعطني عصاك وخذ هذه الفتاة إلى السيارة، وأنا أكون هناك بعد دقيقة.» وتناول العصا وتقدم أنيس من الفتاة ليقودها، ولكنها أبت الذهاب، وقالت لإبرهيم: «إما أن نبقى معا وإما أن نذهب معا.» فنظر إليها إبرهيم بحنان وقال لأنيس: «إذن ابق إلى جانبها إلى أن أعود.» ثم تحول إلى جرجس وقال له: «لا حاجة إلى ذاك السيف؛ فإن هذه العصا تكفي لتأديبك فخذ مكانك سريعا!»
فأراد جرجس أن يمتنع ولكن إبرهيم أمسكه من عضده وضغط عليه بأصابعه الفولاذية وهزه بشدة، وقال له: «إذا لم تقبل اضطررت إلى ضربك كما يضرب الأولاد الصغار الطائشون.» فأدرك جرجس من قوة خصمه ولهجته الثابتة أن لا مناص له من الإذعان، فالتفت إلى رفقائه وقال لهم: «اشهدوا أني بريء مما سيحدث.» ثم تراجع إلى متوسط الساحة وتقدم إبرهيم أيضا بضع خطوات وقبض على عصاه من طرفها الدقيق، وأدار رأسها الضخم في الهواء.
أخذ جرجس أولا في اللعب بسيفه وضربه على ترسه، وما كاد ينتهي من ذلك ويتحول إلى المجاولة حتى أقبل إبرهيم نحوه بخفة الأسد وثباته، وجاوله مرة واحدة فقط أطبق بعدها عليه مديرا عصاه بسرعة ومهارة عظيمتين، ثم فر منه وعاد فكر عليه كرة لم يكن ذاك يتوقعها وباغته مباغتة خبلته، حتى لم يعد يحسن الدفاع وحانت الفرصة فأهوى عليه بضربة شديدة أصابته في قمة رأسه وألقته على الأرض صريعا، وبينما الناس في دهشة عظيمة مما حدث ذهب إبرهيم إلى رفيقيه، وأحاط نجلا بذراعه اليمنى كما في الأول، واجتاز بها الممر المؤدي إلى الخارج وتبعهما أنيس يحمل عصاه التي استعادها.
في هذه الأثناء كان رجال جرجس قد تغلبوا على دهشتهم فخرج أربعة منهم في أثر إبرهيم، فتصدى أنيس بعصاه لاثنين منهم وكر إبرهيم على الاثنين الآخرين فأمسكهما من عنقهما، ودق رأسيهما الواحد بالآخر دقا أفقدهما الصواب وألقاهما برفق على الأرض، فلما رأى الاثنان الباقيان ما حل برفيقيهما فرا هاربين ودخلا الدير وهما يقولان: «إن الشيطان يحميه!» فأجابتهما إحدى النساء المشاهدات: «بل العذراء تحميه!» وسمع جوابها بعض القرويين فعدوا هذا الحادث من عجائب سيدة صيدنايا الكلية القداسة وهم لا يزالون يروونه من هذا القبيل.
أما إبرهيم ونجلا وأنيس فتابعوا سيرهم إلى السيارة وركبوها وساق أنيس في طريق قرية ن. حيث تقطن نجلا، فبلغوها بعد سير ساعتين تقريبا، وترجلوا أمام بيت قروي معتدل وطرقت نجلا الباب، وبعد هنيهة فتح الباب ودخلوا البيت، ولم يكن فيه أحد سوى والد نجلا الشيخ.
في صباح اليوم التالي جرى عرس بسيط جدا جمع الفرح والرضى، ولم يجمع شيئا من الضوضاء، وأصبح إبرهيم ونجلا زوجين. •••
لا يستطيع من لم يشهد الحادث بنفسه أن يتصور مبلغ دهشة أهل بيت إبرهيم عندما عاد مصطحبا نجلا وقدمها إليهم بصفة كونها امرأته، ولا شدة وقع ذلك عند معارفه والذين كانوا يعرفون عنه، خلا رشيدا؛ فإنه كان قد قدر الحادث وأخذ ينتظره منذ علم أن إبرهيم برح البلدة يوم العيد، وأقبل كثيرون يريدون تهنئته، ولكنه كان حالما يشعر بقدوم أحد لزيارته يأخذ نجلا ويخرج وإياها من الباب الخلفي ويذهب الاثنان يتنزهان في الغابات، فأدرك أهل البلدة الحيلة وأخذوا يرصدونهما وهم يكادون يذوبون شوقا إلى رؤية الفتاة التي أصبحت امرأته، ولم يكن بينهم من لم يتوقع أن يراها امرأة بدينة رجراجة، فلما أتيح لهم أن يلحظوها ووجدوها فتاة ضامرة الحشى، لطيفة الجوانح، بهتوا وانصرفوا وهم يشكون فيما رأوا.
أخيرا أجمع الناس الذين يجعلون أنفسهم دائما المثل الطبيعية للأطوار البشرية على أن الحادث أمر غير طبيعي، ولم يعدم الشبان الذين كانوا يحسدون إبرهيم والشابات اللواتي كان يغيظهن بتصرفه السابق شيئا جديدا يضيفونه إلى اختلاقاتهم الماضية.
أما إبرهيم ونجلا فلا يزالان يعيشان سعيدين جدا، وكلما عاد إبرهيم إلى نفسه تذكر صديقه رشيدا، وتلك الحكاية التي قصها عليه في الغابة، والوعل العظيم الذي أبصره في الحلم، أما صور الجمال التي كانت أفكاره السابقة تحوم حولها فقد نسيها بتاتا.
صفحه نامشخص