لقد عجب عشاق هيلين حين وصلتهم صيحة تنداريوس، وصدقوا يمينهم التي أقسموا، فلبوا سراعا؛ وانتفضت هيلاس كلها فصارت ثكنة تعج بالجند وتضج بآلات الحرب، واضطربت البحار بالأساطيل تيمم شطر أوليس،
1
حيث اتفقت الكلمة على أن يبحر منها الأسطول المتحد؛ فلا يرسو إلا في مياه طروادة.
لبى الصيحة كل عشاق هيلين الذين أقسموا اليمين، فهرعوا من المشارق والمغارب بخيلهم ورجلهم، إلا ملك إيثاكا، أوليسيز.
2
أوليسيز
كبر في نفس أوليسيز أن يتقدم لخطبة هيلين فترفضه فيمن رفضت وهو مع ذاك ملك إيثاكا وبطلها الحلاحل، وفارس هيلاس الذي لا يشق له غبار، وكبر في نفسه أن تؤثر عليه منلوس، وهو مع ذاك دونه شجاعة وأقل منه إقداما حين يثار النقع وتستحر الحرب، وكبر في نفسه أيضا ألا تكون له زوجة يفاخر بها هيلين وأتراب هيلين وآل هيلين، فذهب من فوره إلى عمها فتزوج ابنته الجميلة الرائعة بنلوب: «الزهرة التي تهتز للندى، وترقص لخيوط الشمس الذهبية، وتغني مع الأطيار ويسكر النسيم إذا داعب خديها، قبلة الحب الخالد على خدود الجمال الطليق، وابتسامة السماء الضاحكة في قلوب المحبين المعذبين بنلوب، الوديعة كالأطفال، الحلوة كالرضى، الصافية كقطرة الندى بين أوراق الورد، المرحة كسطور الغرام في خطاب الحب ، بنلوب، التي تفخر الأرض بأنها تحملها، والهواء بأنها تستنشقه، والسماء بأنها تظلها وتشرف عليها، والجبل بأنها تنظر إليه، والبحر بأنه يغسل قدميها المعبودتين!
بنلوب، ذات الفم العطري والخد اللامع المورد، والجبين الناصع الوضاح، والعنق الناهضة الجيداء، ربيبة الآلهة ولمحة الأولمب، وبندورا الثانية.
تزوج أوليسيز من بنلوب هذه فأخلصت له الحب، وأصفاها المودة والغرام، وولدت له طفله الجميل المتلألئ تليماخوس (تلماك)، فزادت محبتها له وتضاعفت عبادته لها بعد هذا الرباط القدسي الكريم.
عز على أوليسيز أن ينأى عن زوجته الجميلة وطفله العزيز المحبوب، لا لشيء يجر عليه مغنما أو رفعة، ولكن ليحارب حربا لا تعلم إلا الآلهة كيف تنتهي؛ فقد تكون عقباها القتل أو الغرق أو الأسر، فتعيش الزوجة الجميلة أيما محزونة، ويحيا الطفل يتيما مفجعا، وثمن ماذا كل هذه المصائب وتلك الآلام؟ ثمن امرأة أذلت سادة هيلاس، وجرحت كبرياء زوجها وفضحت أباها، ثم هتكت عرضها - إذا كان لها عرض - بفرارها مع هذا العاشق الفاجر الأثيم!
صفحه نامشخص