قصة الخلق: منابع سفر التكوين
قصة الخلق: منابع سفر التكوين
ژانرها
وبالاجتهاد يمكننا فهم هذا التضارب في شخصية آنليل ويمكننا تفسير استطاعته إزاحة أبيه «آن» ليتحول إلى رمز مسلوب السلطان، وهو أمر شائع في الميثولوجيا الشرقية عموما، في قصة الابن الذي يتفوق على أبيه ويسلبه سلطاته، وهو ما يبدو لنا صدى طبيعيا لواقع أحوال الإنسان البدائي قبل استقراره وتحضره، حيث كان الأب القوي يظل سيدا أو حاميا للقطيع حائزا لكل الإناث، حتى يظهر من بنيه ذكر قوي ينافسه السيادة وحيازة الإناث، فينازعه سلطانه ويدعوه للنزال، في وقت يكون فيه لعامل السن دوره، في إزاحة الأب الكهل، ليحل الابن الشاب القوي محله في سيادة القطيع والذود عنه، ويتحول هو إلى أب جديد للقطيع، لكن هذه السيادة الأبوية البدائية، بدأت تفقد سلطانها مبكرا مع التطور الاجتماعي، عندما أصبحت السيادة تحتاج إلى مقومات أكثر من مجرد الأبوة، أو القوة الجسدية واستدعت وجود كفايات متعددة في سيد العشيرة، المفوض من مجموعة عشائر مؤلفة من مشترك بدائي، مما أدى إلى ضرورة التحول نحو قانون جديد، فرضته ظروف التجمع الأكبر؛ حيث ساد مجموعة من رؤساء العشائر الآباء، تحول أحدهم إلى أب مفوض للمجموعة العشائرية المتحدة في مشترك قروي ثم معبدي ليكون همزة الوصل بين الأب القديم الذي تحول إلى إله غائب، وبين أفراد المشترك، أو بين الآلهة عموما وبين الناس، في شكل كاهن رئيس، متحرر النفوذ من أسر مجلس القبيلة العام.
أقول: عندما فقد الأب البدائي سلطانه في المجتمع الأكبر، انعكس ذلك على عالم الآلهة، ففقد إله السماء سلطانه الأبوي، المتصف في الأساطير بالحنو البالغ والشفقة، وظهر ولده آنليل، وقد حدث ذلك على ما يبدو بالتدريج البطيء الذي حدث به في عالم البشر، حتى صار «آن» مجرد شخصية هلامية مبهمة غامضة في مجمع الآلهة، وإن ظل محتفظا باحترامه كأب أول خالق، لكن مسلوب السلطات.
وكما تحول الأب المفوض في المجلس العام بالمشترك البدائي إلى حاكم متحرر النفوذ، تحول آنليل بمفهوم الألوهية من الرحمة إلى الشراسة، يمتلك أقدار الناس وأقواتهم (الذي يمتلك ألواح القدر)، ويتفرغ للعمل الذهني لتطوير أدوات الإنتاج (خلق الفأس أداة العمل)، وينظم أعمال الناس (يسير البشر)، ويقود الجيوش (يقود آنليل الآلهة إلى الحرب)، لذلك أصبح «سيد جميع البلدان»، وتوجب «أن تذهب إليه بقية الآلهة لطلب الرحمة.» باعتبار الحاكم الذي يمثل آنليل مفوضا من جميع العشائر المتحدة وسيدا متحرر النفوذ محل الأب البدائي، وهو ما ترك أثره في تصويره الرمزي، بنفس رمز الأب آن. (4) «أنكي
ANKI
أو آنجي
ANGI »: وهو إله ذكر، يتركب اسمه من ملصقين «آن = السماء + كي = الأرض»، أي «السماء والأرض» وبترجمة بعض الباحثين «السيد الأرض» باعتبار «آن» تعني السيادة والجلالة أيضا، فهو بذلك إله الأرض، لكن هذا يتضارب مع حقيقة ميثولوجية متواترة في ميثولوجيا البلدان الزراعية، حيث الأرض دوما إلهة أنثى كمصدر للحياة، كما يتضارب مع أخرى هي أن آنكي كان يعد لدى السومريين إلها للماء وكان بهذه الصفة إلها ذكرا، حيث كان سكان المناطق الخصبة ينظرون إلى الماء كمني للأرض، وسائل يخصب الأنثى الأرض لتحمل بالزرع.
وسمي آنكي باسم آخر هو «آبسو
ABZU » وهو بدوره ملصق من كلمتين «آ
A = الماء» + «بسو
BZU »، ويترجم الباحثون «
صفحه نامشخص