وعند ذلك حاول المصريون محاولة أخرى لإيقاف هذا العدوان المتوقع، فذهب راغب باشا رئيس النظار بنفسه لمقابلة الأميرال «سيمور» في البارجة «انفنسيبل» - مقر القيادة - وبعد نقاش طويل تنازل السيد «سيمور» وعرض على الوفد الذي يفاوضه تعديلا جديدا ملخصه أن يعمل المصريون على إنزال كل المدافع الموجودة في الحصون والقلاع المشرفة على البحر، وأن يقوم بهذه العملية الجنود المصريون تحت إشراف ضباط من الإنجليز.
يا للمهانة! أي دولة في العالم وأي جيش محترم يستطيع أن يقبل هذا العرض؟ وحمل راغب باشا هذا الاقتراح إلى المصريين ووعد أن يرسل الرد عليه في مساء نفس اليوم 10يوليو.
واجتمع مجلس كبير في رأس التين حضره توفيق ودرويش والنظار والقواد والأعيان، واختلفت الآراء، وكان من بينها ما يريد قبول الإنذار، ولكن بعد مناقشات طويلة قرر المجتمعون أن يرسلوا الرد التالي إلى «سيمور»، وهو رد مشرف، نرى أن نثبته هنا بحروفه؛ فهو وثيقة شرف لآباء لنا، أبوا - رغم قوة العدو وتفوقه حربيا - قبول الضيم، أو التهاون في الدفاع عن حقوقهم وحقوق الوطن عليهم. وفيما يلي نص الرد:
لم تعمل مصر شيئا يقضي بإرسال هذه الأساطيل المتجمعة، ولم تعمل السلطة المدنية ولا السلطة العسكرية أي عمل يسوغ مطالب الأميرال إلا بعض إصلاحات اضطرارية في أبنية قديمة، والطوابي الآن على الحالة التي كانت عليها عند وصول الأساطيل، ونحن هنا في وطننا وبيتنا، فمن حقنا بل من الواجب علينا أن نتخذ عدتنا ضد كل عدو مباغت يقدم على قطع أسباب الصلات السلمية التي تقول الحكومة الإنكليزية إنها باقية بيننا.
ومصر الحريصة على حقوقها، الساهرة على تلك الحقوق وعلى شرفها لا تستطيع أن تسلم أي مدفع ولا أية طابية دون أن تكره على ذلك بحكم السلاح.
فهي لذلك تحتج على بلاغكم الذي وجهتموه اليوم، وتوقع مسئوليات جميع النتائج المباشرة وغير المباشرة التي تنجم إما عن هجوم الأساطيل أو عن إطلاق المدافع، على الأمة التي تقذف في وسط السلام القنبلة الأولى على الإسكندرية، المدينة الهادئة، مخالفة بذلك لأحكام حقوق الإنسان ولقوانين الحرب.
وأيضا تقرر من باب المسالمة قبول إنزال ثلاثة مدافع يختارها الأميرال، وإذا أبى وأصر تلقى عليه مسئولية التعدي، وذلك بعدم المجاوبة إلا بعد إطلاق القنبلة الخامسة.
وحمل هذا الرد ضابطان مصريان إلى البارجة الانفنسيبل فجر يوم 11 يوليو، ولكن الجواب الطبيعي كان الرفض، وكان الإنجليز كراما فانتظروا حتى حمل الضابطان المصريان الرد ووصلا به إلى البر، ثم أعطوا الإشارة بإطلاق النار.
هل حقيقة أن هذه الاستعدادات الحربية كانت تهدد الأسطول البريطاني؟ أحسبني لست في حاجة إلى دحض هذه الفرية، ولكنني مع هذا أقتبس هنا ما قاله محام إنجليزي كان يعيش في الإسكندرية في ذلك الوقت وشهد هذه الوقائع بنفسه، قال هذا المحامي مستر «رويل
Royle » في صفحه 63 من كتابه «المواقع المصرية
صفحه نامشخص