قصة الفلسفة اليونانية

زكي نجيب محمود d. 1414 AH
84

قصة الفلسفة اليونانية

قصة الفلسفة اليونانية

ژانرها

يختلف تأثرنا بالشيء بمقدار إلفنا وعدم إلفنا له. (9)

كل ما نزعمه من المعلومات محمول على موضوع، وكل هذه المحمولات ليست إلا علاقات بين بعض الأشياء وبعض أو بينها وبين أنفسنا، وليست تخبرنا بحقيقة الأشياء ذاتها. (10)

آراء الناس وعرفهم يختلف باختلاف البلاد.

ويريد أن يصل بهذه القضايا العشر إلى القول بأن العلم بكنه الأشياء لا يمكن؛ لأن ما عندما من الوسائل لا يمكننا من ذلك.

الفصل الخامس عشر

عصر الاختيار

Eclecticism

لم يكد الرومان يغزون مقدونيا وينشرون ألوية النصر على ربوعها، حتى بدأت اليونان عهدا جديدا أخذت تتلاشى فيها مميزات شخصيتها، وتندمج في الإمبراطورية الرومانية اندماجا، وما أسرع ما أخذت روما واليونان تتبادلان الآراء والأفكار والأساتذة والطلاب، فقد ارتحل إلى روما كثير من أساطين العلم والفلسفة في اليونان، كما نزحت أفواج من شبان روما إلى أثينا يلتمسون في مدارسها الفلسفية ما أطفأ غلتهم من فلسفة وعلم، وهكذا لبث تيار الفكر بين البلدين متصلا، فما جاء القرن الأول قبل ميلاد المسيح حتى كانت الفلسفة اليونانية قد تمكنت من نفوس الرومان وأخذت بأهوائهم، فأصبحت ضرورة لازمة لا يجوز أن تخلو منها الثقافة العليا، ولما كان اليونان بادئ الأمر هم الأساتذة الذين نقلوا إلى الرومان تعاليمهم فقد استطاعوا بحكم أستاذيتهم أن يطيعوا تلاميذهم بروحهم وميولهم، ولكن لم يمض طويل زمن حتى انطبع هؤلاء الأساتذة أنفسهم بالطابع الروماني متأثرين بالبيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية، فأخذوا يلائمون بين أنفسهم وذلك الروح الجديد، وعلى ذلك تغير لديهم معيار القيم الذي يقدرون به الأشياء، وأصبحت الحياة العملية وحدها هي المقياس، فلا يأبهون كثيرا بالقيمة العلمية لذاتها إن لم تكن وسيلة إلى الحياة العملية.

استعرض الرومان مذاهب اليونان الفلسفية، لا يتعصبون لواحد دون الآخر، بل أخذوا يتخيرون من كل مذهب ما يتفق وروحهم، فطفقوا يمحون من المدارس الفلسفية أوجه الخلاف، ويستخلصون منها جميعا وجه الشبه بينها، فيكون هو مذهبهم، وخصوصا ما اتصل بالحياة العملية بسبب قريب أو بعيد.

وإذن فقد وقف الرومان من الفلسفة موقف الاختيار دون أن يدفعوا بها إلى الأمام خطوة جديدة، وهكذا انقضى الزمن بين المذاهب التي أشرنا إليها - من رواقية وأبيقورية وشك - وبين ظهور الأفلاطونية الحديثة في تحجر هذه المذاهب وركودها، فلا نظريات جديدة ولا قضايا مبتكرة، وتقاربت المذاهب المختلفة، وأصبحت الخلافات بين المذاهب خلافات ناعمة، وصاروا أميل إلى الراحة والخمود - بل أصبحنا نرى أتباع مدرسة الأكاديمية الشكاكة تعلم مبادئ الرواقيين، والرواقيين يعلمون مبادئ هذه الأكاديمية وهكذا - ولم يحافظ الأبيقوريون على تعاليمهم.

صفحه نامشخص