وفي هذا الوقت مات أردون ملك ليون، وثارت الفتنة بين أبنائه واشتعلت بينهم حرب أهلية أعطت الأمير متنفسا وفسحة للنظر في شئون أخرى.
ولما عاد عبد الرحمن الناصر من هذه النصرة اتخذ لنفسه لقبا جديدا فقد كان حكام الأندلس قبله يلقبون بالأمراء، ولم يدع أحد من حكام بني أمية حقا في الخلافة - على الرغم من إنكارهم خلافة العباسيين الذين ثلوا عرشهم بالمشرق - لأنهم رأوا أن لقب الخليفة لا يستحقه إلا من يحكم الحرمين، فقنعوا على كره منهم بأن يتركوا للعباسيين لقبهم غير منازعين فيه، غير أنه حينما شاع في الأندلس أن الخلفاء العباسيين أصبحوا وليس لهم شيء من النفوذ في خارج حدود بغداد، وأنهم يعيشون بها عيشة السجناء لتشتت أجزاء المملكة، ونشوء الأوطان المستقلة
4
أسرع عبد الرحمن فدعا بنفسه خليفة على المسلمين وسمى نفسه الناصر لدين الله.
5
انتحل الخليفة هذا اللقب قبل موته بثلاثين سنة ملئت بالحكمة والعدالة والحزم، وصخبت بحروب مستمرة كانت تشن كل عام على المسيحيين، فرفعت من قدره وجعلته جديرا بلقبه الناصر لدين الله.
ولكن الحروب الأهلية التي حدت زمنا من قوة أهل ليون انطفأت الآن وسكن غبارها، وظهر من خلالها ملك مسيحي عسي بالمنصب، جدير بأن يكون خليفة لأردون العظيم ؛ فقد ولي الملك راميرو الثاني (ردمير) في سنة 931م/319ه وبرزت فيه صفات الفروسية بعزمه الصارم على مقاومة جيوش الخليفة، وبعد قليل عقدت في الشمال بين المسيحيين وأمير سرقسطة
6
معاهدة شديدة الخطر سيئة المغبة، فأسرع عبد الرحمن إلى تمزيق هذه المعاهدة وإخضاع سرقطسة في سنة 937م/327ه ثم زحف على نافار، ونشر الرعب والفزع أينما سار، حتى إن الملكة الوصية (طوطة) أسرعت إليه لتقدم خضوع المحكوم للحاكم، ولكن راميرو لم يشترك في شيء من هذا الاستسلام، فلم شتات جيشه وتغلب على المسلمين وقهرهم في موقعة الخندق، وكانت كارثة على المسلمين، فسقط منهم خمسون ألفا في الميدان، ونجا الخليفة بنفسه وما كاد ينجو، وفر بأقل من خمسين فارسا، وبقيت هذه السنة المشئومة عهدا طويلا بالأندلس تسمى بسنة الخندق.
7
صفحه نامشخص