يقول بعض المؤرخين - وهو يحاول تمحيص الأسباب التي أدت إلى تغلب المسلمين على المسيحيين: «إن الملك ويتزا «غيطشة» علم إسبانيا كيف تقترف الآثام»، ولكن إسبانيا كانت قد تعلمت ذلك على أحسن وجوه العلم قبل «غيطشة» بزمن بعيد، وربما لم يكن هذا الملك أسوأ من سابقيه الذين أغرقوا في الشهوات، وترخصوا في كل ما أصاب الدولة من الفساد والتدهور، ولما كانت آثام القوط المتوحشين قريبة الشبه جدا من مآثم الرومان الدائلين، لم تشعر المملكة عند انتقال الحكم من الرومان إليهم بشيء جديد.
هكذا كانت إسبانيا حينما اقترب المسلمون من حدودها، طبقة فاسدة مفسدة من الأغنياء، قسمت الأرض بينها ليزرعها العبيد وأحلاس الأرض البائسون اليائسون، ثم طبقة من سكان المدن لم يبق لها الظلم والعسف رطبا ولا يابسا.
2
هكذا كانت إسبانيا حينما كان جنود الإسلام يقيمون على الجانب الآخر من بحر الزقاق الذي عرف فيما بعد بمضيق جبل طارق، وهم قوم بسل أشداء، تلتهب نفوسهم حماسة لدينهم، وتتأجج شوقا إلى ما في أرض الكفار الخصيبة من غنائم وخيرات، وقد تدربوا على السلاح منذ نعومة أظفارهم، وعاشوا في صحرائهم عيشة خشنة جافية، وإن موازنة بين هذين الفريقين لا تترك مجالا للشك فيمن سيكون له النصر والغلب، على أن الخيانة التي جاءت بعد ذلك فساعدت الفاتحين على اقتحام البلاد، أزالت كل أثر للشك في انتصارهم.
خلع لذريق غيطشة من عرشه،
3
وبدأ حكمه بداءة حسنة، ولكنه خضع آخر الأمر لإغراء الثروة والقوة، وجمح به النهم في الشهوات الدنيئة حتى نفرت منه القلوب، وأصبح كل ما حوله مستعدا للاشتعال، لا ينتظر إلا شرارة صغيرة لينفجر ويذهب بمملكته.
وكانت العادة بين أمراء المملكة أن يرسلوا ببناتهم وأبنائهم إلى القصر لتهذيبهم وأخذهم بكل ما يثقف النفس ويغرس الخلق الكريم! فأرسل الكونت (يوليان) حاكم سبتة، ابنته فلورندا إلى قصر لذريق بطليطلة لتنال قسطا من التربية بين وصائف الملكة، وكانت فلورندا غاية في الجمال فشغف لذريق بها، ودنس عفافها ذاهلا عما يوجبه عليه الشرف من حمايتها كما يحمي إحدى بناته،
4
وزاد في بشاعة الجريمة أن زوج يوليان كانت بنت غيطشة، فكان في فعلة لذريق تلطيخ للشرف الملكي بالعار.
صفحه نامشخص