قصة الأدب في العالم (الجزء الأول)
قصة الأدب في العالم (الجزء الأول)
ژانرها
وأول ما ينبغي أن نشير إليه هو أن الكتاب المقدس - وهو يشمل العهد القديم والعهد الجديد، أو التوراة والإنجيل - يمكن اعتباره آية من آيات الأدب قد نقرؤها لنستمتع بها كما نستمتع بأي كتاب أدبي آخر من كتب الشعر والنثر. وعلى هذا الاعتبار وحده وضعنا حلقة في هذه السلسلة التي تصور الأدب العالمي؛ فنحن قد ندرس الكتاب المقدس على أنه كتاب دين كما ندرس الكتب الدينية، وقد ندرس ما فيه من تاريخ كما ندرس آثار هيرودوت أو غيره من المؤرخين، وقد ندرسه على أنه أدب، ونستمتع بما فيه كما نستمتع بخير الآثار الأدبية من شعر ونثر. وهذا موقف إزاء الكتاب المقدس ينفع التاريخ والأدب، ولا يضر الدين.
و«التوراة» - وهي العهد القديم من الكتاب المقدس
2 - هي أساس الأدب العبري والديانة اليهودية، كما أنها أساس الديانة المسيحية، والكتاب الرئيسي في آداب الأمم المسيحية؛ إذ اليهود والمسيحيون متفقون على «العهد القديم» - أي التوراة - ثم يبدأ بعد ذلك الخلاف؛ فكتاب اليهودي بعدئذ هو «التلمود»، وكتاب المسيحي هو: «العهد الجديد» الإنجيل.
فأما «التلمود» فطائفة من القوانين تناولها بالشرح والتعليق قادة الديانة اليهودية على مر القرون، وهي مؤسسة على التقاليد التي تناقلها اليهود من خلف إلى سلف إلى موسى عليه السلام، ولها من نفوسهم منزلة التقديس إلى يومنا هذا. وزاد في تعلقهم بهذه التقاليد هذا الصراع الدائم الذي كان بينهم وبين الأمم، والذي ما انفك قائما بينهم وبين المسيحيين في أوروبا إلى اليوم، والذي حفز اليهود أن يصونوا تقاليدهم من الفناء، ويحفظوا نقاء جنسهم أن تشوبه شوائب الاختلاط. فلا ريب أن التلمود في طليعة الكتب العالمية ما دامت له هذه القوة في جماعة لها بين الناس خطرها وأثرها، ولأنه يحتوي ما حباه الله قادة الفكر منهم من حكمة، وإن يكن طفيف الأثر في الآداب الأخرى بسبب هذه العزلة العقلية التي اختارها اليهود لأنفسهم؛ فلن تجد من غير اليهود كثيرين طالعوا التلمود، ولكنه مع ذلك قد ترجم إلى اللغات الأوروبية، وتسربت بعض آياته إلى الأدب الأوروبي، فكثيرا ما تصادفك مقتطفات منه في القصص التي تصور أشخاصا من اليهود.
على أن أهمية التلمود تكاد تنحصر في أنه كتاب الهداية عند الكثرة الغالبة من اليهود، فإذا قال التلمود فقوله الفصل الذي يوضح للمرتاب سواء السبيل.
وقد استغرق جمعه ثلاثة قرون أو تزيد؛ فقد بدئ في جمعه في مستهل القرن الرابع بعد الميلاد، ولم يكمل حتى القرن السادس، وهو ينقسم قسمين يسمى أولهما «مشنا»،
3
وهو مجموعة من أحكام شرعية قيست على ما ورد في العهد القديم، ويسمى ثانيهما «جمارا».
4
أما المشنا فقد كتب بالعبرية، وأما جمارا فكتب بالعبرية والآرامية. والآرامية هي اللغة التي كان الجزء الأعظم من العهد الجديد مكتوبا بها بادئ الأمر. والقصة الآتية مثال لما ورد في التلمود:
صفحه نامشخص