أمرنا الطبيب جاك بتكبيلها بالقوة، ثم قام بغرس حقنة مهدئة في ذراعها، وهي تتلوى بعنف، مرت دقيقة حتى لانت حركتها، ثم غطت في نوم عميق، حملناها في عناية حتى وضعنها في أحد الأفرشة المتناثرة على أرضية الغرفة، ووقف جاك يلهث بينما وضعت يدي على جبينها وقرأت لها قليلا من الكتاب المقدس لطرد الشياطين والأرواح الشريرة.
إن العيش لشهرين كاملين في مساحة ضيقة كهذه يثير الأعصاب حقا، من الصعب أن تتحمل أن تنام وتصحو على ذات الكتل الإسمنتية المحيطة بك دون أن تتأثر، وأصارحك أنني قد بدأت أشعر بالاختناق أيضا، لكنني أحاول التماسك، حتى لا أثير ذعرهم.
كان المهندس الفرنسي كلاود يقف أمام غرفة الطعام، أشار لي وللطبيب جاك برأسه وعلى وجهه نظرة غريبة، فهرعنا إليه متوجسين، انتحى بنا جانبا وقال هامسا بإنجليزية ركيكة: «إن الأوكسجين يقل بإطراد، لقد فقدنا أكثر من ثلث الهواء النقي منذ بداية العزل، وخلال أيام معدودة سنموت اختناقا إن لم نجد حلا بسرعة، هناك شيء آخر!»
وأشار للمخزن وأضاف: «المؤن تتناقص بشكل كبير، ما تبقى لن يكفي لأكثر من شهر على أقصى تقدير إذا استمر الأمر على هذا المنوال.»
أطلق جاك سبة بذيئة، ثم انتبه لوجودي فنظر لي نظرة معتذرة، هززت رأسي بمعنى «لا عليك»، وسألت كلاود: «ماذا تقترح؟» - «يجب أن نحد من استهلاك الماء والطعام لأقصى حد، نعطيهم ما يحافظ على حياتهم فقط.» - «ماذا عن الأوكسجين؟» - «سأفكر في شيء ما.»
وعاد كل منا إلى فراشه وقد توحدت أفكارنا وهواجسنا.
سأستكمل لك ما انقطع.
قال العلماء إن الفيروس قد تطور وعاد أكثر شراسة وعنفا، وأسرع انتشارا، في البداية عاد الفيروس للظهور مجددا عند المرضى السابقين بعد أن تعافوا، ثم بدأ في الانتشار للأصحاء، قالوا إنه يهاجم الجهاز التنفسي والكليتين، ثم يدمر الجهاز المناعي في يومين على الأكثر، ويقتل ضحاياه اختناقا.
أغلقت علي باب الكنيسة، وظللت أشاهد عبر النوافذ الزجاجية في رعب ذلك الهول الذي يحدث في الطرقات، رجل يمشي مترنحا وهو يمسك عنقه في ذعر ويشهق بحثا عن الهواء، ثم يسقط على الأرض ويتلوى في مشهد مؤلم، ثم تستكين حركته ويموت، فتاة، طفل، مراهقون ... كانوا يموتون بالعشرات، بالمئات، بالآلاف!
يا إلهي، عندما أتذكر تلك الأيام!
صفحه نامشخص