كان أكبر هم «جنان» بعد أن انتقلت إلى بيت زوجها، أن تنجب طفلا، يكون آية شبابها وحيويتها، ومحبتها زوجها، ومحبته إياها. ولكن أشهرا انقضت ولم تحمل، ورأت أن تستشير الأطباء في الأمر، وشجعها زوجها على ذلك، لكن أشهرا أخرى انقضت ولم تحمل. وبدأت تساورها المخاوف، وخيل إليها أن قوة خارقة، قوة فوق الطب والأطباء، يجب أن تتدخل لتحقيق بغيتها. وتذكرت صديقات لها، تعوقن عن الحمل في شبابهن، ولم ينجح الطب في إرضاء أمومتهن، فذهبن إلى مراغة سيدي المغاوري في المقطم، وإلى كنيسة ماري جرجس وبه دير البنات بمصر القديمة. وتمرغن بالمراغة أمام الشيخ المسلم، وتمسحن بأعتاب القديسة المسيحية، فأنعم الله عليهن بالحمل ... فما ضرها لو صنعت صنيعهن، لعل الله يرزقها هذا الطفل، الذي تصبو إليه من كل قلبها، لتزداد قدرا عند زوجها، فيزداد حبا لها وإعزازا؟
ولكن ... أتراها تستطيع أن تفعل ذلك ولا تذكره لمرزوق؟!
وهبها ذكرته له، فأبى عليه إيمانه بالطب أن يقرها على رأيها ... ولكن ... هل يغلب هذا الإيمان بالطب رغبته الملحة في أن يكون أبا لطفل منها؟ وماذا عليها إذا صنعت ما تريد من تلقاء نفسها واستمرت في العلاج الطبي، فإذا حملت أظهرت زوجها على كل ما صنعت!
واستقر عزمها عند هذا الرأي، واختارت الأوقات التي يشغل العمل فيها زوجها عن منزله، وذهبت إلى المغاوري في مراغته. وذهبت إلى ماري جرجس فأتمت عندها مراسم الحمل. ومن عجب أنها حملت بعد ذلك بشهرين اثنين. فأفضت إلى زوجها بكل ما صنعت، فعاتبها عليه زوجها عتابا لا يبلغ اللوم؛ لأن غبطته بحملها لم تسمح بلومها أو بالتثريب عليها.
وفي أثناء حملها، تقدم يخطب ابنتها شاب كريم المحتد، من أسرة عريقة، ويشغل وظيفة في الدولة لا بأس بها. ولكنه ضيق الثراء، لا يحتمل مرتبه وإيراده مجتمعين ما تعودت سوسن من عيش السعة ... وقابلته سوسن مرة واحدة بحضرة أمها، ثم قالت إنها تقبله زوجا لها. واحتجت لقبوله بشبابه وبأسرته، وبمؤهلاته، وبأنها تستطيع أن تتعاون معه على الحياة، فإن ضاق بهما الرزق في أول الأمر، فسيكون لهما فيه سعة من بعد.
وابتسمت أمها لقولها، إذ أيقنت أن ما أغراها بقبوله وسامته، وحلو حديثه، ورقة نظراته، أكثر مما أغرتها أسرته العريقة، وحسبه الكريم!
لكن ابتسام جنان لم يمنعها من الترحيب بالشاب، وعقد خطبة ابنتها عليه، وانتظار الجهاز والزفاف.
ثم أنجبت جنان غلاما طار أبوه بمولده فرحا، وأقام له حفل سبوع عوضه عن حفل الزفاف، الذي كان يزمع أن يقيمه لنفسه لو أنه تزوج عذراء، وزاده مولد الطفل غراما بجنان، فجعل كلما دخل عليها، يقبلها ويقبل الطفل معها، ويشعر بأن هذا الطفل هو امتداد حياته بالفعل، وأنه سيكون جراحا مثله. ألم يكن المصريون القدماء يحرصون على أن يحترف الولد حرفة أبيه، لتبقى الحرفة متوارثة في الأسرة، وليكون الأبناء ورثة الآباء في عملهم، كما أنهم ورثتهم في مالهم، وليبقى اسم الأسرة عنوان سعيها وجهدها! فليكن هذا المرزوق الطفل جراحا، وليكن أبناؤه وحفدته جميعا جراحين، ليظل اسم الدكتور مرزوق باقيا على مر الزمان.
ووقف مرزوق في حفلة السبوع يحدث سوسن، ويذكر لها أن مولد أخيها الطفل يذكره بقولها القديم إنها تشعر حين تحدثه أنها تحدث أباها. ويذكر أنه سعيد بذلك، لأنه اليوم رب لأسرة لا تقف عند الطفل الوليد وأمه، بل تتناول سوسن وأخاها كذلك، وأنه ينتظر بفارغ الصبر أن يصبح جدا يوم ترزق سوسن طفلا عما قريب إن شاء الله.
وبعد أسابيع، زفت سوسن إلى خطيبها، وانتقلت إلى الطابق الظريف الذي فرش فيه جهازها. وحملت عبء بيتها وتولت إدارته. وأقيمت لها في هذه المناسبة حفلة دعا الدكتور مرزوق إليها كل أصدقائه مع من دعوا من قبل العروسين وأهلهما!
صفحه نامشخص