ودنت ساعة الوداع الأخيرة، فهزم قيصر، وضم كليوبطرا إلى صدره ضمة، إن لم تكن وعدا صريحا منه بتنفيذ ما أرادت، فإنها قد جعلتها تشعر بعد ذهاب عشيقها، بأن خطبتها قد عقدت على العالم أجمع؛ ومن فوق قمته العليا، رومية العظمى.
غير أن كليوبطرا لم تكد تشعر بالوحدة، حتى انتكست أفكارها، وراحت تضرب في مهامه الحياة، مضطربة تختلج بالأوهام حينا، وبالحقائق حينا؛ راحت تتوهم «رومية» راكعة عند قدمي الإسكندرية، وأن الأتباع والأمراء يقتربون من عرشها زحفا على الركب والبطون، ليلقوا عند قدميها بأسلحتهم خضوعا، أو بمفاتيح أمصارهم إظهارا للولاء؛ وأن ملايين من الخلائق البشرية أخذت تسجد أمامها، وأنهم جميعا يرددون اسمها مقرونا باسم قيصر، هاتفين بعظمتها، مولين بوجوههم نحو سدتها العليا، ابتغاء مطلب يرجى، أو معروف يسدى.
بمثل هذه الأحلام تحولت وحدة كليوبطرا من صحراء قفر مجدبة، إلى جنات ظليلة من الأماني الحسان، وتغيرت الحياة في نظرها، حتى لقد وهمت أن أحلامها أقرب إلى التحقيق، من حاضرها المحزن في وحدتها الأليمة. •••
ما لبث قيصر «النائم» أن تحرر من السحر الذي سلط عليه من عيني الملكة المصرية السوداوين الناعمتين، حتى ارتد قيصر «اليقظ» الصافي البديهة، السريع الخاطر، القوي الحجة، الثابت النفس، لقد تحرك فيه خلق «النسر» المتوثب، القفاز إلى الغايات، الطفار إلى النهايات.
على أن الحالات التي قامت في العالم الروماني، قد اختلفت كل الاختلاف عما كانت عليه عندما انتصر «قيصر» في برية «فرساليا» على جيش «پومپيوموس» فإن فلول ذلك الجيش، وقد طال بها العهد على سماع اسم «قيصر»، وهو في عزلته بين ذراعي كليوبطرا، قد جمعت كيدها، ونظمت صفوفها مرة أخرى، وما كان كيد أنصار «پومپيوموس» بالأمر الهين؛ فإن قواهم قد اكتنفته عن يمين وعن شمال، وأخذ شبح الحرب الأهلية يكشر عن أنيابه الزرق المحدودة، في ولايات الشرق الرومانية.
أيعود قيصر إلى رومية، والعدو يكتنفه، والحرب الأهلية تقرع بابه؟ لم يعتد قيصر من قبل أن يجمع العالم الروماني رجلين: قيصر؛ وعدوا ينابذه، لهذا يمم شطر آسيا الصغرى، قبل أن يهبط أرض إيطاليا، وبدأ بتحطيم الأسطول الذي ختم به العدو مصب نهر «القدنس»
Cydnus ؛ ثم تحرك عجلان على رأس جيش انتقاه من جلاوزة الحروب، القادرين على أن يأتوا في ساحة الحرب بمعجزات، وهاجم «كايس كشيوس» في «إفسوس» و«فرناقس» في «زيلا»؛ ثم ارتد مسرعا صوب إفريقية، وانتصر في وقعة «ثفسوس»، وبعد أن حصل على مبالغ عظيمة من المال، جمعها من الولاة الذين ملأهم منه الرعب، وأخذتهم منه سورة الوجل، تلقاء بقاع من الأرض تضم بأمره إلى الولايات التي يحكمونها، عاد إلى رومية مثقلا بالأسلاب، محفوفا بمظاهر العظمة، ليتخذ من ذلك وسيلة إلى القضاء على نفوذ كل من حاول من الرومان أن يذكر اسم قيصر، بشيء يستشم منه ريح الامتعاض أو الارتياب.
ولقد أخذت رومية عدتها وأكملت زينتها لاستقبال «قيصر»، استقبالا لم تشهده «الڨياسكرا»
Via Sacra
من قبل
صفحه نامشخص