Qawa'id al-Ahkam fi Masalih al-Anam

Izz al-Din ibn Abd al-Salam d. 660 AH
147

Qawa'id al-Ahkam fi Masalih al-Anam

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

ناشر

مكتبة الكليات الأزهرية

محل انتشار

القاهرة

وَاجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ، وَالْمُوَفَّقُ مَنْ أُعِينَ عَلَى ذَلِكَ، فَمَنْ أَسْعَدَهُ اللَّهُ حَبَّبَ إلَيْهِ الطَّاعَةَ وَالْإِيمَانَ، وَكَرَّهَ إلَيْهِ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا أَدَبَ كَأَدَبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَا خُلُقَ كَأَخْلَاقِهِ فَمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ أَعَانَهُ عَلَى أَخْلَاقِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ لِيَتَخَلَّقَ مِنْهُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَصِلُ إلَيْهِ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَقَدْ هَمَّ وَلَمَّ فَيَا سَعَادَةَ مَنْ اقْتَدَى بِهِ، وَاسْتَسَنَّ بِسِيرَتِهِ وَأَخَذَ بِطَرِيقَتِهِ، وَامْتَلَأَ قَلْبُهُ مِنْ مَحَبَّتِهِ، فِي دِقِّ ذَلِكَ كُلِّهِ وَجُلِّهِ وَكُثْرِهِ وَقُلِّهِ: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٣١]، وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا، ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧١]، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ قَالَ، تَعَالَى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: ٤] . وَكَانَ خُلُقُهُ الْمَمْدُوحُ بِالْعَظَمَةِ وَاتِّبَاعِ الْقُرْآنِ، الْقُرْآنُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِهِ ﷺ فِيمَا جَاءَ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ خَالَفَ كَثِيرٌ مِمَّنْ اشْتَهَرَ بِالْوِلَايَةِ بَعْضَ أَدَبِ الشَّرْعِ فَهَلْ يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي وِلَايَتِهِ؟ قُلْنَا: أَمَّا مَا تَرَكَ مِنْ ذَلِكَ لِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَأَمَّا مَا تَرَكَ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ، فَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا لَمْ يَقْدَحْ فِي وِلَايَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَقَدْ خَرَجَ عَنْ الْوِلَايَةِ فِي حَالِ مُلَابَسَتِهِ دُونَ مَا مَضَى، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَقَدْ غَلَّظَ أَكْثَرُ النَّاسِ فِي هَذَا الذَّنْبِ الصَّغِيرِ. فَمِنْهُمْ مَنْ يُسْقِطُ الْوِلَايَةَ بِصَغِيرَةٍ يَرْتَكِبُهَا الْوَلِيُّ، وَهَؤُلَاءِ جَهَلَةٌ لِأَنَّ اجْتِنَابَ الصَّغِيرَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ فَضْلًا عَنْ الْأَوْلِيَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ إذَا عَرَفَ صَغِيرَةَ الْوَلِيِّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْوِلَايَةِ وَطَعَنَ فِيهِ، وَرُبَّمَا هَجَرَهُ وَرَفَضَهُ وَقَلَاهُ وَأَبْغَضَهُ وَمَنَعَ النَّاسَ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْمِلُهُ حُسْنُ ظَنِّهِ فِي الْوَلِيِّ عَلَى أَنْ يَعْتَقِدَ اخْتِصَاصَ ذَلِكَ الْوَلِيِّ بِإِبَاحَةِ تِلْكَ الصَّغِيرَةِ الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَيَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ لَهُ مَا لَمْ يُحِلَّهُ لِغَيْرِهِ وَهَذَا خَطَأٌ عَظِيمٌ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْتَثْنِ أَحَدًا مِنْ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالنَّدْبِ وَالْإِيجَابِ، إلَّا لِعُذْرٍ خَاصٍّ أَوْ عَامٍّ، وَهَذَا أَشَرُّ الْأَقْسَامِ. وَأَشَرُّ مِنْهُ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ الذَّنْبَ قُرْبَةٌ لِصُدُورِهِ

1 / 149