وإنما تلزم هذه الألف المنقطعة، وتكون تأسيسًا إذا كان حرف الرّويّ ضميرًا، نحو ياء ليا، أو حرفًا من مضمر، نحو ميم هما في قوله كما هما، وياء هي في قوله هي ما هيا.
وقال أبو النجم:
وطالما وطالما وطالما
غلبت عادًا وغلبت الأعجَما فلم يجعل الألف تأسيسًا، لأنه أراد أصل ما كانت عليه طال وما إذا لم يجعلهما كلمة واحدة. وهو قد جعلهما كلمة واحدة. وكان القياس أن يجعلها تأسيسًا، لأنهما صارا كلمة واحدة. ولولا أنَّ ذا جاءَ ما أجزناه.
وإنما جاز في ألف كما هما وما هيا إلا أن تكون تأسيسًا ولم يجز إلاَّ أن تكون ردفًا في المنفصل، لأنَّ التأسيس متراخٍ عن حرف الرّويّ، بينه وبينه حرف قوي، فصار كأنّه ليس من القافية. حتى دعاهم ذلك إلى أن أجازوا مع الألف التي في كلمة الرّويّ غيرها من الحروف.
قال العجّاج:
يا دار سلمى، يا اسلمي ثم اسلمي
ثم قال:
فخندفُ هامةُ هذا العالمِ
وكان رؤبة، فيما بلغني يعيب هذا. وهو قليلٌ قبيحٌ. وقال الأعشى فجعل المنفصل ردفًا، ولا يجوزُ إلاّ ذلك، وكذلك قالته الشعراء:
رحلتْ سميّةُ غدوةً أجمالَها ... غضبَي عليكَ، فما تقولُ بدا لَها
وقال رؤبة:
بكاءَ تكلى فقدتْ حميما
فهي تبكيِّ يا أبا وابنيما
جعل الألف التي في بدا ردفًا، وهي منفصلةٌ، ولام لها هي الرّويّ، والياءَ التي في وابنيما ردفًا، والميم في ما حرف الروي.
وليس المنفصل في التأسيس إذا جاء بعده حرفٌ من غير مضمر هكذا، ولكنه بمنزلة سائر حروف المعجم. وذاك أن رأى دما لو كان معه ملاكما لم يجز، لأنّ الألف المنفصلة إذا كان بعدها غير حرف إضمار، نحو دم وأشباه ذلك، فهي بمنزلة سائر حروف المعجم. وليس إذا حجا بمنزلة كما هما، لأنّ الميم حرف الرّويّ، وهو ها هنا حرف من مضمر، والجيم حرف ليس من مضمر، لأنه في موضع العين من فعل ولو جعلت رآهما مع رأى دما لجاز، لأنَّ رآهما قد تكون في حال ليس بتأسيس إن شئت، وتكون تأسيسًا. ورأى دما لا تكون تأسيسًا، لأن دمًا ليس بمضمر. ورآهما تجعل مع ملاكما، فيكون تأسيسًا. وإذا كانت مع رأى دما فهو مثل كونه مع شيء ليس فيه ألف.
وأمّا كتابك وثيابك فلا يكون إلا تأسيسًا، لأنَّ ألف التأسيس ليست في كلمة أخرى وحرف الروي في كلمة، لأنّ الكاف لا تكون كلمةً، إنّما هي حرفٌ، وهو حرف الرّويّ.
باب
ما يلزم القوافي من الحركات
وفي القوافي مما يلزم من الحركات الرَّسّ. وهي فتحة الحرف الذي قبل حرف التأسيس. نحو قول امرئ القيس:
دعْ عنكَ نهبًا صيحَ في حجراتِهِ ... ولكن حديثًا ما حديثُ الرواحلِ
فتحةُ الواو هي رسٌ. ولا يكونُ الرّسّ إلا فتحة، وهي لازمةٌ.
ومنها الحذو. وهو حركة الحرف الذي قبل الردّف. وتجوز ضمّته مع كسرته، ولا تجوز مع غيره، نحو ضمة قول مع كسرة قيل، وفتحة قول مع فتحة قيل ولا يجوز بيع مع بيع.
ومنها التّوجيه. وهي حركة الحرف الذي يلي جنب الرّويّ المقيد. ولا يجوز مع الفتح غيره، نحو قوله:
قد جبر الدّين الإله فجبر
التزم الفتح فيها كلّها. ويجوز الكسر مع الضمّ في قصيدة واحدة. قال الشاعر:
مضبورةٍ قرواءَ هرْ جابِ فنقْ
ثم قال: ألّفَ شتَّى، ليس بالراعي الحمقْ وقد أجازوا الفتح مع هذا. قال:
وقاتمِ الأعماقِ خاوي المخترَقْ
وليس هذا كالألف والياء والواو في الرّدفِ. لأن تلك حروفٌ، فقبحَ جمعها في قصيدة واحدة. وهذه حركات، فكانت أقلَّ من الحروف وأضعفَ. ومن لم يجعل المفتوح مع المكسور والمضموم شبّهه بترك الألف مع الياء والواو في الرّدفِ. وقد جعلت الشعراءُ المفتوح مع المكسور والمضمومِ فأكثرت من ذلك. قال طرفه:
نزعُ الجاهلَ في مجلسِنا ... فترى المجلس فينا الحرمْ
ثم قال:
فهي تنضو قبل الداعي إذا ... جعل الداعي يخلُّ ويعمُ
ومنها المجرى وهي حركة حرف الرّويّ، فتحته وضمّتُه وكسرتُه. وليس في الرّويّ المقيّد مجرىً. والمقيدُ على ضربين مقيدٌ تمَّ به وزنه، نحو:
وقاتمِ الأعماقِ خاوي المخترقْ
فإن زدت فيه حركة كانت فضلًا على البيت ومفيَّد مدَّ عمّا هو أقصر منه، نحو فعول في ثاني المتقارب، مدَّ عن فعل عوضًا له من الوصل.
1 / 5