يُصَلِّي عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ، أَوْ كَمَنْ يُصَلِّي عَلَى مُرْتَدٍّ يَعْتَقِدُهُ مُسْلِمًا، وَكَالشَّاهِدِ يَشْهَدُ بِحَقٍّ عَرَفَهُ بِنَاءً عَلَى اسْتِصْحَابِ بَقَائِهِ فَظَهَرَ كَذِبُ الظَّنِّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، فَهَذَا خَطَأٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ، وَلَكِنْ يُثَابُ فَاعِلُهُ عَلَى قَصْدِهِ دُونَ فِعْلِهِ، إلَّا مَنْ صَلَّى مُحْدِثًا فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى قَصْدِهِ وَعَلَى مَا أَتَى بِهِ فِي صَلَاتِهِ مِمَّا لَا تُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ فِيهِ.
وَلَوْ أُوجِرَ مُضْطَرًّا طَعَامًا قَاصِدًا لِحِفْظِ حَيَاتِهِ وَكَانَ الطَّعَامُ مَسْمُومًا فَقُتِلَ الْمُضْطَرُّ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى قَصْدِهِ دُونَ إيجَارِهِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ، وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ، وَلَوْ أَكَلَ فِي الْمَخْمَصَةِ طَعَامًا يَجْهَلُ كَوْنَهُ مَسْمُومًا فَقَتَلَهُ فَلَا دِيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي مَالِهِ اخْتِلَافُ جَارٍ فِي كُلِّ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَقْسِيمِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ]
فِي بَيَانِ تَقْسِيمِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ
الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ أَقْسَامٌ:
أَحَدُهَا: مَا تَعْرِفُهُ الْأَذْكِيَاءُ وَالْأَغْبِيَاءُ
الثَّانِي مَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الْأَذْكِيَاءُ، الثَّالِثُ مَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الْأَوْلِيَاءُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ضَمِنَ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ أَنْ يَهْدِيَهُ إلَى سَبِيلِهِ فَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: ٦٩]، وَلِأَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يَهْتَمُّونَ بِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ وَشَرْعِهِ فَيَكُونُ بَحْثُهُمْ عَنْهُ أَتَمَّ وَاجْتِهَادُهُمْ فِيهِ أَكْمَلَ، مَعَ أَنَّ مَنْ عَمِلَ بِمَا يَعْلَمُ وَرَّثَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ. وَكَيْفَ يَسْتَوِي الْمُتَّقُونَ وَالْفَاسِقُونَ؟ لَا وَاَللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ فِي الدَّرَجَاتِ وَلَا فِي الْمَحْيَا وَلَا فِي الْمَمَاتِ. وَالْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرِضُوا عَنْ الْجَهَلَةِ الْأَغْبِيَاءِ الَّذِينَ يَطْعَنُونَ فِي عُلُومِهِمْ وَيَلْغُونَ فِي أَقْوَالِهِمْ، وَيَفْهَمُونَ غَيْرَ مَقْصُودِهِمْ، كَمَا فَعَلَ الْمُشْرِكُونَ فِي الْقُرْآنِ الْمُبِينِ فَقَالُوا: ﴿لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت: ٢٦] . فَكَمَا جَعَلَ لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ، جَعَلَ لِكُلِّ عَالِمٍ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ عَدُوًّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ. فَمَنْ صَبَرَ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى عَدَاوَةِ الْأَغْبِيَاءِ كَمَا صَبَرَ الْأَنْبِيَاءُ، نُصِرَ كَمَا نُصِرُوا وَأُجِرَ كَمَا أُجِرُوا وَظَفِرَ
1 / 28