وضاقت نفس أحمد مما يشهد من غدر الترك وسوء أثرهم في الدولة، فآثر الاعتكاف والوحدة، وإنه يومئذ لشاب في الثلاثين، تبسم لمثله الآمال، وتتفتح لعينيه زهرة الدنيا.
وقال لصاحبه: «إلى كم نقيم يا أخي على هذا الإثم مع هؤلاء الموالي، لا يطئون موطئا إلا كتب علينا الخطأ والإثم؟ ... والصواب أن نتركهم وما اجتمعوا عليه من الضلال والغواية، ونسأل الوزير أن يكتب بأرزاقنا إلى الثغر
5
نقيم به في ثواب دائم وجهاد متصل!»
قال صاحبه، وعلى شفتيه ابتسامة العتب والدهشة: «كأنك يا أحمد قد أيست من التصرف في شيء من أعمال السلطان، وإن كنت لأرجو لك، وإنك لأهل للولاية!»
قال ابن طولون: «خل عنك يا أخي حديث السلطان والولاية، إن أمر الدولة يكاد يبلغ آخره من سوء ما يصنع هؤلاء الترك والعجم، وإن أمر الخليفة ليوشك معهم أن ينتهي إلى مثل ما انتهى إليه أمر عمه المتوكل
6
وماذا بعد ذلك إلا انهيار الدولة، فإن رأيت فإننا نخرج إلى طرسوس
7
غازيين مجاهدين في سبيل الله، حتى تنجلي هذه الغمرة، أو يكون أمر من الأمر!» •••
صفحه نامشخص