فقال خليل شوكت، وهو يبتسم كاشفا عن ثنيتيه المتراكبتين: خديجة هانم مثال صالح لست البيت، غير أنها تتجاهل حقها من الراحة.
فقال إبراهيم شوكت مؤمنا على قوله: هذا رأيي بالتمام، صارحتها به مرارا، ثم آثرت السكوت تفاديا من وجع الدماغ.
نظر كمال إلى أمه، وكانت تملأ فنجان خليل للمرة الثانية، واستحضر صورة أبيه مقرونة بذكريات جبروته، فعلت شفتيه ابتسامة، ثم مد بصره إلى إبراهيم مدهوشا، وهو يقول: كأنك تخافها!
فقال الرجل، وهو يهز رأسه الكبير: أنا أتفادى من النكد ما وجدت سبيلا إلى السلامة، وأختك تتفادى من السلامة ما وجدت سبيلا إلى النكد!
هتفت خديجة: اسمعوا الحكم (ثم وهي تشير إليه كالمتحدية) أنت تتفادى من اليقظة ما وجدت سبيلا إلى النوم.
فقالت لها أمها، وهي تحدجها بنظرة تحذير: خديجة!
فربت إبراهيم على منكب حماته، قائلا: عندنا من هذا كثير، ولكن اشهدي بنفسك!
وكان ياسين يردد بصره بين خديجة القوية الممتلئة، وعائشة النحيفة الرقيقة بحركة متعمدة للفت الأنظار، ثم قال كالمستنكر: حدثتمونا عن تعب خديجة المتصل من الفجر إلى الليل، فأين أثر ذلك التعب؟ ... كأنها هي اللاهية، وكأن عائشة هي العاملة!
فقالت خديجة، وهي تبسط راحة يمناها في وجهه مفرجة بين أصابعها الخمس: ومن شر حاسد إذا حسد!
ولكن عائشة لم ترتح إلى مجرى الحديث الأخير، فلاحت في عينيها الزرقاوين الصافيتين نظرة اعتراض. واندفعت للذود عن نحافتها متجاهلة الغاية الواضحة من ملاحظة ياسين. وهي تعاني شيئا من الغيرة، فقالت: لم تعد السمانة موضة العصر (ثم مستدركة عندما شعرت باتجاه رأس خديجة نحوها)، أو على الأقل فالنحافة موضة كذلك عند كثيرات.
صفحه نامشخص