تركت ساعدها بحركة عصبية وشخصت إليه بوجهها فيما يشبه الكبرياء، ثم قالت بتوكيد: قلت لك إني تجاهلته، يجب أن تفهم معنى ما أقول.
يجب ألا تعود الليلة إلى فراشك بأفكار قاتلة حتى لا تتكرر ليلة أمس، غربل نفسك من الهواجس. - صارحيني: هل زارك أحد في العوامة؟ - أحد؟ أي أحد تعني؟ لم يدخل هذه العوامة أحد سواك. - زنوبة، إني أستطيع أن أعرف كل شيء، لا تخفي عني شيئا، صارحيني بكل كبيرة وصغيرة، ولك عندي بعد ذلك العفو مهما يكن من أمرك.
قالت محتجة غاضبة: إذا أصررت على الشك في صدقي فخير لنا أن نفترق.
أتذكر الذبابة التي رأيتها تحتضر في صباح اليوم في خيط العنكبوت؟ - حسبنا، دعيني أسألك الآن: هل قابلك هذا الرجل أمس؟ - أخبرتك أين كنت أمس.
نافخا على رغمه: لماذا تعذبينني، وما حرصت على شيء حرصي على سعادتك؟
ضربت كفا بكف، كأنما قد كبر عليها شكه، ثم قالت: لم لا تريد أن تفهمني؟ ... إني أرفض كل غال في سبيلك.
ما أجمل هذه النغمة! المأساة أنها يمكن أن تصدر عن قلب فارغ، كالمغني الذي يذوب في نغمة حزينة شاكية وقلبه ثمل بالسعادة والفوز. - إني أشهد الله على قولك، صارحيني الآن: من يكون هذا الرجل؟ - ماذا يهمك منه؟ قلت لك: إنك لا تعرفه، تاجر من غير حينا، ولكنه كان يجلس من حين لآخر في قهوة سي علي. - اسمه؟ - عبد التواب ياسين، هل عرفته؟
اكتريت هذه العوامة لقضاء وقت سعيد، هل تذكر أوقاتك السعيدة؟ أيتها الدنيا هل تذكرين أحمد عبد الجواد الذي لم يكن يبالي شيئا؟ زبيدة ... جليلة ... بهيجة ... سليهن عنه، إنه بلا ريب غير هذا الرجل الحائر الذي اشتعل الشيب في فوديه. - إن شيطان النكد هو أنشط الشياطين. - بل هو شيطان الشك؛ لأنه يخلق من لا شيء.
جعل ينقر الأرض بطرف عصاه، ثم قال بصوت عميق: لا أريد أن أعيش أعمى، كلا ولا شيء بقادر على أن يجعلني أتهاون في رجولتي وكرامتي، بالاختصار لا أستطيع أن أهضم مبيتك في الخارج ليلة أمس. - رجعنا مرة أخرى! - وثالثة ورابعة، لست طفلة، إنك امرأة ناضجة عاقلة، واليوم تحدثينني عن ذلك الرجل! هل غرك حقا وعده بالزواج منه؟
أجابت بكبرياء قائلة: إني أعلم أنه لا يخدعني، وآي ذلك أنه وعدني بألا يقربني حتى يعقد زواجه مني. - أترغبين في هذا الزواج؟
صفحه نامشخص