تنهدت أمينة من الأعماق، ورمقت خديجة بعينين فاترتين، ثم قالت بصوت خافت: عائشة طفلة تأبى أن يكون لها عقل أو وزن، ولن تزال كذلك مهما امتد بها العمر، هل يسعني أن أقول غير ذلك؟ لا أود ولا أستطيع، هل هانت عليها ذكرى فهمي؟ لا أستطيع أصدق ذلك، ألم يكن في وسعها أن تقتصد في عواطفها حيال تلك المرأة ولو إكراما لي؟ لكن لن أسكت عن هذا، سأقول لها إنها أساءت إلي، وإنني غاضبة حزينة لأرى ما يكون منها بعد ذلك.
فأمسكت خديجة بخصلة من سوالفها، وقالت: أحلق هذا لو صلح لها حال! إنها تعيش في دنيا غير الدنيا التي نعيش فيها، لست أتحامل عليها وربنا يعلم، إنني لم أخاصمها ولا مرة مذ تزوجت، حق أنني طالما حملت عليها لما يقع منها من إهمال لأطفالها، أو تملق مزر لحماتها وغير ذلك مما حدثتك عنه في حينه، ولكن حملتي لم تجاوز حد النصح الحازم أو النقد الصريح، هذه أول مرة يضيق بها صدري فأعالنها الخصام.
فقالت الأم برجاء وإن ظل وجهها ممتعضا: دعي الأمر لي يا خديجة، أما أنت فلا أحب أن يفصل بينك وبينها خصام أبدا، لا يصح أن يفترق قلباكما وأنتما تعيشان معا في بيت واحد، لا تنسي أنها أختك وأنك أختها، بل أختها الكبرى، إن قلبك أبيض والحمد لله، وهو مترع بالحب لأهلك جميعا، إني كلما اشتد أمر لم أجد عزاء إلا في قلبك، وعائشة مهما يكن من هفواتها هي أختك، لا تنسي هذا.
فهتفت في تأثر: إني أغفر لها كل شيء إلا شهادتها علي. - لم تشهد عليك، خافت أن تغضبك كما خافت أن تغضب حماتها فلاذت بالصمت، إنها تكره أن تغضب أحدا - كما تعلمين - وإن كانت رعونتها كثيرا ما تغضب الكثيرين. لم تقصد الإساءة إليك أبدا، فلا تحملي تصرفها أكثر مما يحتمل، سأزوركم غدا لأصفي حسابي معها، ولكني سأصلح بينكما وإياك أن تمتنعي عن الصلح.
ولأول مرة تتجلى في عيني خديجة نظرة قلقة مشفقة، حتى إنها غضت عينيها لتخفيهما عن أمها، وصمتت قليلا، ثم قالت بصوت خافت: ستجيئين غدا؟ - نعم، لم يعد الحال يحتمل الصبر.
خديجة كأنما تحدث نفسها: سوف تتهمني بأنني أفشيت أسرارها. - ولو!
ولما آنست منها مزيدا من القلق والإشفاق، عادت تقول: على أي حال أنا أعرف ما يقال وما لا يقال.
فقالت خديجة بارتياح: هذا أفضل، فهيهات أن تعترف بحسن نيتي ورغبتي في إصلاح أمرها.
23
آه!
صفحه نامشخص