فقال حسين بجد أريد به السخرية: عايدة تصوم يوما واحدا من الشهر، وربما أفلست قبيل العصر.
فقالت عايدة على سبيل الانتقام: وحسين يأكل في رمضان أربع وجبات يوميا، الوجبات الثلاث المعتادة ووجبة السحور.
فقال حسين ضاحكا، وقد كاد الطعام يسقط من فيه لولا أن رفع رأسه بحركة سريعة: أليس غريبا ألا نعرف عن ديننا شيئا ذا بال؟ لم يكن عند بابا أو ماما معلومات تستحق الذكر، وكانت مربيتنا يونانية، وعايدة تعرف عن المسيحية وطقوسها أكثر مما تعرف عن الإسلام، نحن بالقياس إليك في حكم الوثنيين ... (ثم مخاطبا عايدة) ... إنه يقرأ القرآن والسيرة!
فقالت بلهجة ربما دلت على شيء من الإعجاب: حقا؟ برافو، ولكن أرجو ألا تسيء بي الظن أكثر مما ينبغي، فإني أحفظ أكثر من سورة.
فغمغم كمال كالحالم: بديع، بديع جدا، مثل ماذا؟
فكفت عن الأكل حتى تتذكر، ثم قالت باسمة: أعني أني كنت أحفظ بعض السور، لا أدري ماذا تبقى منها ... (ثم رفعت صوتها فجأة شأن من تذكر شيئا أعياه طلابه) مثل السورة التي يقول فيها إن ربنا واحد ... إلخ.
ابتسم كمال، وقدم لها شريحة من صدر الدجاجة فتناولتها شاكرة، ولكنها اعترفت بأنها أكلت أكثر مما تأكل عادة، ثم قالت: لو كان الناس يتناولون الطعام عادة في الرحلات لاختفت الرشاقة من الوجود.
فقال كمال بعد تردد: إن نساءنا لا تستهويهن النحافة.
فوافقه حسين على رأيه قائلا: ماما نفسها من هذا الرأي، ولكن عايدة تعد نفسها باريسية .
عفا الله عن استهانة معبودتي، شد ما أزعجت نفسك المؤمنة، كما أزعجتها من قبل خطرات الشك التي صادفتها في مطالعتك، هل تستطيع أن تلقى استهانة المعبود بما لقيت به من خطرات الشك من نقد وغضب؟ هيهات، نفسك لا تنطوي لها إلا عن الحب الخالص، حتى عيوبها فأنت تحبها، عيوبها؟! لا عيب لها، ولو كان ما بها خفة في الدين واجتراء على المحرمات، تلك عيوب لو وجدت في غيرها ... أخشى ما أخشاه ألا تروق في عيني حسناء بعد اليوم إذا لم يكن بها خفة في الدين واجتراء على المحرمات، هل مسك القلق؟ استغفر الله لنفسك ولها، وقل إن هذا كله عجيب، عجيب كأبي الهول، ما أشبه حبك به، أو ما أشبهه بحبك! كلاهما لغز وخلود.
صفحه نامشخص