قصر آل العظم في دمشق
قصر آل العظم في دمشق
ژانرها
توطئة
آل العظم
وصف القصر العظمي العام وطريقة بنائه
توطئة
آل العظم
وصف القصر العظمي العام وطريقة بنائه
قصر آل العظم في دمشق
قصر آل العظم في دمشق
تأليف
عيسى إسكندر المعلوف
صفحه نامشخص
توطئة
في ربيع سنة 1921م قدم سورية المسيو أستاش دي لوري (E. de Lorey)
الفرنسي من قبل المجمع العلمي ومتحف اللوفر في باريس؛ للتنقيب عن الآثار الإسلامية في دمشق، وفي أوائل سنة 1922م ابتاع «قصر أسعد باشا العظم» بمبلغ ستين ألف ليرة سورية، واتخذه مقرا له وبدأ بترميمه وجمع بعض الآثار إليه، وأعلن أنه سينشئ فيه مدرسة لتعليم الصناعات الوطنية التي اشتهرت بها سورية عموما ودمشق خصوصا، وعاد مرارا إلى باريس، وفي حادثة دمشق الأخيرة منذ شهر احترق هذا القصر وزالت محاسنه وتشتتت آثاره، فكتبت فيه هذه المقالة لتعريفه، مزينة ببعض رسومه.
آل العظم
اشتهرت هذه الأسرة في تضاعيف القرن الثامن عشر في سورية، وقد كتب عنها كثير من المؤرخين مثل ثريا بك في «السجل العثماني»، وجودت باشا في «تاريخه المطول»، ونعيما في «تاريخه العثماني»، وابن البرزنجي في كتابه «كشف الحجب والستور عما وقع لأهل المدينة مع أمير مكة سرور» سنة 1194ه/1780م، والسويدي البغدادي في «حديقة الوزراء»، والبديري الحلاق الدمشقي في تاريخه «نخبة الفضلاء»، وكوچك چلبي في «تاريخه العثماني»، والشيخ عبد الرحمن الفاسي المغربي في «تاريخه المخطوط»، والمرادي في «سلك الدرر»، وشمس الدين سامي في «قاموس الأعلام» العثماني، وڨولني الفرنسي في «رحلته إلى سورية»، وغسطاف لي بون في «حضارة العرب»، وكنانيش ومجاميع وأوراق كثيرة وقفت عليها في دمشق في المكاتب العامة وبعض الخاصة، ولا سيما آل العظم، وكلها تذكر الأسرة وتترجم مشاهيرها الوزراء وأعمالهم، وبعضهم يذكرها باسم «عزيم أوغلي»؛ مما يدل على أنهم كانوا من قبيلة بني عزيم في البلقاء، التي اشتهر منها شيخها إبراهيم في زمن السلطان سليم العثماني فاتح سورية ومصر سنة 923ه/1517م، فاتخذه السلطان محافظا لچول (برية) سورية ولقبه آغا، ثم أخذ معه أولاده السبعة إلى الأناضول رهائن خشية أن يثور عليه من كان منهم وزراء ، مثل عبد الرحمن باشا وحسن باشا دفين النمسا وفارس باشا ويوسف باشا وخليل باشا وإسماعيل باشا والآخر مات مجهولا.
وصرح بعربيتهم الشيخ عبد الرحمن الفاسي المغربي في تاريخه المخطوط في مصر بعد سنة 1100ه، فذكر وفاة أحدهم وقال: «إن هذا اللقب من الدولة، وإنما أصلهم عربان من بادية الشام.» ومما يرجح عروبتهم أنه لا أثر لهم في قونية وبين عشائر الترك، حتى إنهم لا يعرفونهم،
1
وقيل: إنهم أتراك من الأناضول، والله أعلم.
وقد نشأ منهم في قونية أخوان باسلان، وهما قاسم بك العظم الملقب بأبي كتف الذي لم يعقب، وشقيقه إبراهيم بك جد الأسرة العظمية الحاضرة في دمشق وحماة ومعرة النعمان، فتسلسل منه وزراء مهمون أربوا على بضعة عشر، تولوا شئون سورية وضواحيها وبر الأناضول، ولكثير منهم أعمال خطيرة، مثل: بناء المدارس، وتأسيس المكتبات، وحفظ الأوقاف، وتشييد الأبنية، وتقريب الشعراء والعلماء الذين مدحوهم وألفوا لهم بعض الكتب وكتبوا لهم، ومن مشاهيرهم أسعد باشا صاحب هذا القصر،
2
صفحه نامشخص
وفي كتابي «تاريخ الأسر الشرقية» تاريخهم وانتسابهم ومشاهيرهم.
أسعد باشا العظم
هو الوزير أسعد باشا ابن إسماعيل باشا ابن الأمير إبراهيم بك الذي نشأ في قونية، وكان جد هذه الأسرة المعروف. ولد أسعد باشا في دمشق سنة 1113ه/1701م، ودرس العلوم واللغات على عادة عصره، فحذق التركية والفارسية والعربية وألم ببعض العلوم والآداب، وولع بجياد الخيل والأبنية فأكثر منهما، وكانت أول ولاياته على حماة، فنال رتبة ميرميران ثم نال رتبة الوزارة سنة 1156ه/1743م، ونقل إلى ولاية دمشق خلفا لعمه سليمان باشا، فأدار شئونها أربع عشرة سنة. وكان أمير الحج أيضا، وترك أعمالا كبيرة وأبنية شاهقة، وسنة 1169ه/1755م تولى شئون سيواس وعزل عنها بعد نحو عامين، وأبعد إلى روسجق لتغير الدولة عليه بسبب نسبة فتنة إليه قام بها العرب على ركب الحج في عهد خلفه حسين باشا مكي زاده الغزي من مماليكه، وقتل في طريقه إلى روسجق في الخامس من شهر شعبان 1171ه/1757م، وذلك بمدينة أنقرة داخل حمام، وأعقب ابنة تزوجها ابن عمها محمود باشا. وأثنى عليه المرادي وغيره من مترجميه، وقال جودت باشا في تاريخه ما تعريبه : «إنه بعد نفي أسعد باشا (أي العظم) لا يجوز إعطاء الحكم لأحد منهم أو أتباعهم؛ خشية أن يتحزبوا أو يثوروا على الحكومة.»
وكانت له أوقاف عظيمة وخيرات كثيرة، فمن أوقافه «خان أسعد باشا» في دمشق، وهو قرب داره في البزورية، وبناء مقام السيدة زينب بظاهر دمشق، وجسر الكسوة. ومن أبنيته الخان الشهير في معرة النعمان لأبناء السبيل، والخان والحمام والبركة العظيمة لأبناء السبيل أيضا في خان شيخون قرب المعرة، والخان لأبناء السبيل ودار الحكومة في حماة، وفيها قاعة فخمة حجمها نحو ربع القاعة الكبرى في قصره بدمشق، ولكنها أجمل نقشا قد حفظت بغاية النظافة والدقة حتى كأنها خارجة الآن من تحت أيدي الدهانين والمزوقين، وفيها حوشة حماة في ذلك العهد. والبرك العظيمة والقلاع المتينة التي بناها في طريق الحج منها في المعظم والأخضر والفحلتين، وقلعة المداين التي أرخها شاعره الشيخ سليمان بن أحمد المحاسني الدمشقي
3
بقوله، من أبيات سنة 1168ه:
حادي البشارة قد أتانا معلنا
في بيت تاريخ يضوع شذاه
حصن المدائن قد بناه أسعد
في أمر محمود أطيل بقاه
صفحه نامشخص
عدا ما أجرى من الخيرات والمبرات في مكة والمدينة وبقية المدن التي تولى شئونها، وأهمها داره في دمشق وخانه قربها.
4
وصف القصر العظمي العام وطريقة بنائه
إذا انحدرت في سوق البزورية إلى آخرها، تجد على يمينك زقاقا مرصوفا موصلا إلى الدار العظمية الفخمة، وهي ذات باب كبير برتاج إلى الغرب، ومنه يدخل إلى تلك العجائب المدهشة في الزخارف والإتقان والهندام، وحول المدخل غرف ذات ثلاث طبقات كلها مزخرفة السقوف والجدران، مرصوفة بالفسيفساء ومزدانة بالنقوش البديعة، ثم تجد أمامك إلى الشرق فسحة مهمة، وإلى يمينها لجهة الجنوب القاعة الكبرى التي هي أجمل تلك الدار هندسة وروائع نقوش وبدائع أصباغ ومحاسن ترتيب، وتعرف باصطلاحهم الفارسي (بالخركاه)؛ أي المثلثة لشكل هندستها المثلث، وقربها الحمام وغرفه البديعة، وفي الشرق غرف مرتبة، وكذلك في الشمال إلى يسار الداخل، حيث هناك غرف وراءها المطبخ العظيم، وهو أشبه بدار تحته قبو عظيم يقال إنه كان سجنا.
وفي تلك الغرف والفسحة رتبت آثار قديمة من تماثيل أسد ضخم وجد في الشيخ سعد وهو حثي مكسور، وتماثيل أشخاص بعضها مشوه، وحيوانات أخرى من أسد وعجول، وأبواب حجرية للمقابر والبيوت، على بعضها صور ناتئة من الحجر الأسود (الحري) الحوراني، ومذابح وتيجان أعمدة وقواعدها وكتابات. وفي الداخل آثار آنية زجاجية وخزفية ومعدنية على بعضها كتابات، وبينها قطع مكسرة مما وجده المسيو دي لوري في الباب الشرقي عندما حفر فيه وفي محلة حنانيا، وهناك قطع من البسط والسجاد القديم والأقمشة النفيسة المطرزة، وقد فرش بعض الغرف فرشا شرقيا وزينها ببعض الأسلحة والأدوات، ووضع سجلا للزائرين يدونون فيه أسماءهم، وتباع فيها رسوم دمشق والقصر.
وقد حدثني بعض الشيوخ المعمرين الدمشقيين نقلا عن أسلافهم أخبارا غريبة عن بناء هذه الدار، وما جرى للبنائين الحلبيين الذين استقدموا لمساعدة الدمشقيين في هندستها، وتفوق الدمشقيين عليهم بهندسة البناء وإحكامه، وكيف أن الأساس حفر وسد بالحجارة وترك سنة كاملة حتى استقر ورصت حجارته فاستؤنف البناء عليه. ومما روي لي أن أجرة البناء اليومية كانت نحو عشرة قروش، وأجرة الفاعل نحو ثلاثة قروش، وبقي العمال يشتغلون فيها إحدى عشرة سنة، وقد أهملت هذه الدار منذ نحو ثلاثين سنة ونيف، وخرب حمامها وقسم من أبنيتها العلوية، ودرست بعض محاسنها، وكان فيها ثلاثمائة وستون غرفة سفلية وعلوية.
وقال الشيخ أحمد البديري الحلاق في تاريخه المخطوط بخزانتي في سنة 1163ه ما نصه ببعض ألفاظه العامية:
وفي تلك الأيام أخذ الوزير أسعد باشا دار معاوية رحمه الله، وأخذ ما حولها من الخانات والدور والدكاكين وهدمهم، وشرع في عمارة داره السرايا المشهورة التي هي قبلي جامع الأموي، وجد واجتهد في عمارتها ليلا ونهارا، وقطع لها من جملة الخشب اثني عشر ألف خشبة، وذلك ما عدا الذي أرسلوه له أكابر البلد والأعيان من الأخشاب وغيرها، ورسم على حمامات البلد أن لا يباع القصرمل
1
لأحد، بل يرسل لعمارة السرايا، واشتغلت بها غالب معلمي البلاد ونجاريها وكذلك الدهانين، بل قل أن يوجد معلم متقن أو نجار أو دهان كذلك إلا والجميع مشتغلون بها، وجلب لها البلاط من غالب بيوت المدينة أينما وجدوا بلاطا أو رخاما أو غير ذلك مثل عواميد وفساقي
صفحه نامشخص
2
يرسل فيقلعهم ويرسل القليل من ثمنهم. وكان في قرب بركة البرامكة قصر يقال له الزهرانية، قيل هو من عمارة الملك الظاهر، وهو على ظهر بانياس مطل على المرجة، وكان منتزها عظيما تهدم غالبه، وفي قربه مدفن وعليه قبة من حجر ورأس القبة مقلوع وفيه وهدة ... أخبروا حضرة الوزير أسعد باشا العظم صاحب العمارة عن هذه القبة وعن المدفن الذي بجنبها، وأن الأراذل الأشقياء يجتمعون عندها هناك ليلا ونهارا على فسق وفساد وغير ذلك، فأمر بهدمها حالا ونقل حجارتها إلى داره.
وفي تلك الأيام بلغ الوزير أسعد باشا أن في وادي كيوان طاحونة قديمة يقال لها طاحون الرهبان قد تهدمت، ولم يبق منها سوى رسوم أسفلها، وأنها مركبة على بانياس، فحالا أمر حضرة الباشا بقطع نهر بانياس وأن يخرجوا جميع ما فيها من أعمدة وأحجار وينقلوهم إلى الدار، فاشتغلت الفعلة والحجارة والبساتنة، واستقاموا يقلعون الأحجار وينقلونها إلى دار الباشا اثني عشر يوما والنهر مقطوع عن أصحابه.
وفي يوم الخميس سادس وعشرين ربيع الثاني من هذه السنة، عمل حسن أفندي السفرجلاني وليمة لحضرة أسعد باشا بالصالحية في قاعة ابن قرنق، وكانت ضيافة عظيمة قيل تكلف عليها نحو إحدى عشرة مائة غرش، فنظر حضرة الباشا إلى سروات شاهقات في داره، فطلب من صاحبهم علي آغا ابن قرنق قطعهم لأجل عمارة داره، وعرض الباشا عليه شيئا من المال فأبى أن يأخذ شيئا، وقطع له ثلاث سروات ليس لهم نظير في الشام ولا في غيرها، ونقل من قرية بصرى أحجارا وأعمدة من الرخام شيئا كثيرا، وأخذ من مدرسة الملك الناصر التي في الصالحية أعمدة غلاظا جيء بهم محملين على عربات تجر بالبقر، وهدم سوق الزنوطية التي فيها حارة العمارة، وكان كله أقبية معقودة فأمر بفكه ونقله إلى داره المشار إليها، ونقل إليها أيضا أعمدة من جامع يلبغا. وإنه مهما سمع ببلاط بديع أو أعمدة أو أحجار من أي محل، كان يأتي بها شراء وغير شراء.
قال المؤرخ: «وفي تلك الأيام قتل ابن خطاب الآلاتي في سوق البزورية وقت أذان العشاء، جاءه ضرب سلاح على رأسه فوقع قتيلا كأنه ما كان، هذا ووزير الشام مشغول في عمارة داره ولم يلتفت إلى رعاياه وأنصاره، ويقول: ائتوني بحجارة المرمر والرخام والسرو، وتفننوا بالبناء والنقوش والتحلية بالذهب والفضة وجلب عواميد الرخام على العجلات والبقر من بصرى، وخرب سوق مسجد القصب، واستجلب جميع ما فيه من أحجار وأخشاب، وكل ما سمع بقطعة أو تحفة من رخام أو قيشاني أو غيرها يرسل فيأتي بها إن رضي صاحبها أو أبى، وإذا أراد الفقير أن يعمر ويرمم لم يجد معماريا ولا نجارا ولا خشبا ولا مسمارا ولا ترابا ولا قصرملا ولا أحجارا، وهذا مع غلاء الأسعار وحلول الأكدار. وقد أخذ حضرة الباشا قدرا وافيا من ماء القنوات، فما وصل إلى السرايا حتى تقطعت السبل ومياه غالب الجوامع والحمامات، وبقي مدة مقطوعا حتى عن غالب البيوت.»
ناحية من قصر أسعد باشا العظم في دمشق.
ناحية ثانية من قصر أسعد باشا العظم في دمشق.
ومما ذكره البديري في حوادث سنة 1171ه ما نصه:
وفي تلك الأيام جاء الخبر بقتل أسعد باشا ابن العظم والي الشام سابقا، وبعد أيام جاء قبجي من جهة الدولة بختم سرايته وضبط ماله وختم بيوت جميع أتباعه وأعوانه، وضبط مالهم ورفعهم إلى القلعة، وازدادت الشدة وصارت أمور وأهوال في دمشق الشام ما وقعت في سالف الأزمان، ثم جاءت أتباع ابن العظم أسعد باشا، ودخل القبجي إلى السرايا فأخرج الدفائن العظيمة من سرايته، فإذا هي كالكنوز المودوعة فيها، فأخرجوا من الأرض ومن الحيطان والسقوف والأحواض حتى من الأدبتات
3
صفحه نامشخص
دراهم ودنانير وأمتعة نفيسة لا تقام بقيمة، ومجوهرات مما لا يعلمه إلا الله تعالى، والحكم لله العلي الكبير.
وذكر في محل آخر:
وجاء سلحدار من قبل السلطان لتحصيل المال من سليمان باشا العظم، فأرسل خلف المعامرية
4
الذين عمروا السرايا وكانوا نصارى، وكان معلم نصراني يقال له ابن سياج، فأمر القبجي بتعذيبهم.
وذكر في تاريخ سنة 1166ه:
وفي تلك الأيام من هذه السنة شرع حضرة أسعد باشا في عمارة القيسارية التي في البزورية التي عز نظيرها في الدنيا، وذلك بعد ما هدم قيساريتين ودور ودكاكين وجعلها قيسارية واحدة بهذه الصفة التي لا نظير لها.
وجاء في ذيل القرماني المخطوط عن نسخة نقلت من الخزانة السلطانية في القاهرة ما نصه:
وفي سنة 1163 بنى الوزير المرحوم - أي أسعد باشا ابن إسماعيل باشا - دارا عظيمة في قرب جامع بني أمية لصيق محلة الدهبنياتية في سوق العطارين البزورية، وأنفق عليها جملة أموال عظيمة حتى قيل جملة ما أنفق أربعمائة كيس، داخل كل كيس خمسمائة قرش، وهذه كرى العمال، وأما الخشب والبلاط والتراب وغيره فكله من رزقه ومن بساتينه.
وقيل إن داخل الدار أماكن عديدة، كل واحدة لا تشبه الأخرى، وجميعهم بماء الفضة والذهب واللازورد والبلاط الرخام العظيم، وحاصل الأمر نقلوا عن من رأى وساح في البلاد أن ليس مثلها في ملك بني عثمان حتى ولا سراية الملك المعظم، وتم العمال
صفحه نامشخص
5
يشتغلوا في دار الحريم سنتين وما تم، وعدد العمال من غير ضبط فوق الثمانمائة، والله أعلم.
وقال في محل آخر من هذا الذيل:
ومن جملة ما عمر (أسعد باشا) جسر الكسوة من الرأس إلى الرأس، وعرضه سنة 1165، وأرسل إلى الدولة رفع الذخيرة الصغيرة عن البلاد، وهذه تبلغ مقدار خمسة عشر كيس، ثم تولى بعده محمد باشا الراغب. ا.ه.
يقول كاتب هذه المقالة: وعلى الجملة، فإن القصر العظمي بديع الهندسة، جميل الغرف، رفيع البنيان، طبقات ترى النقوش في جدرانها الخارجية والداخلية، وفيها الحمامات والحدائق والحياض والبخيريات (المداخن) وأنابيب المياه موزعة بطرق فنية، وفيها الفوارات والشلالات في داخل الغرف بهندام يأخذ بمجامع الأبصار، وهناك أنواع الفسيفساء والنقوش والتخريم كلها تمثل أشكالا هندسية ونقوشا عربية وأشجارا وحيوانات، حتى لا تكاد تجد غرفة تشبه الأخرى بشيء من نقوشها أو هندستها أو أصباغها، وقد بذلت العناية بالتذهيب حتى حفظت ألوانه مشرقة، وكذلك الرصف بالبلاط والقيشاني وفصوص الحجارة الملونة والأعمدة اللطيفة ذات الألوان المختلفة. وعلى الجملة، فهذا القصر هو آية البناء الشرقي ومنتهى ما ولده تفنن الدمشقيين في ذلك القرن بصناعتهم البنائية والنقشية وما يتعلق بهما، وإذا جمع ما كتب بالذهب على جدرانه وسقوفه من الآيات والحكم والأشعار ملأ كتابا، فهو أشبه بمتحفة صناعية منه بقصر، ولقد وصفه كثير من الشعراء، ومعظم أقوالهم نقش بخط جميل على القاعات جدرانا وسموكا، ومما وقفت عليه من ذلك أخيرا قول السيد أحمد البربير (الذي جمعت ديوانه المخطوط النفيس)، يمدح محمد بك ابن علي بك ابن محمد باشا العظم في داره بدمشق من قصيدة:
يا دار أسعد باشا
لك النعيم المخلد
بطلعة ابن علي
أبي السعود محمد
يا سيدي عش سعيدا
صفحه نامشخص
فإن جدك أسعد
وهذا القصر الفخم هو من دور معاوية الأموي، ويرجح أنه من أصل قصر الخضراء الذي كان دار الخلفاء الأمويين، وله بقية الآن قرب القصر العظمي تسمى «مصبغة الخضراء» إلى جنوبي الجامع الأموي.
وصف هذا القصر لشاهد عياني
وقفت منذ ثلاث سنوات عند صديقي الوجيه محمد خليل بك العظم في دمشق على رسالة وضعها في وصف القصر العظمي قبل خرابه وإهماله منذ سنين، واسمها «الدرر البهية بوصف السراية الأسعدية»، فنقلتها وهذه هي بنصها مع بعض حواش واستدراكات علقتها عليها تتمة للفائدة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي علم الإنسان ما لم يعلم، وفضله على سائر المخلوقات بما عليه أنعم، ومن نعمه ذلك العقل اللطيف العزيز، الذي هو أفضل وأبهى من الذهب الإبريز، فأتقن به كل فن عجيب جميل، وذلك من مواهب الملك الجليل، يرزقه لمن يشاء وهو ذو الفضل العظيم.
وأصلي وأسلم على صاحب الشرف والوسيلة، سيدنا محمد المتخلق بأحسن الأخلاق الجميلة
صلى الله عليه وسلم ، وزاده فضلا وكرم، وعلى آله، وكل ناسج على منواله.
وبعد، فقد طلب مني بعض الإخوان، وهو من أجل الأحباب الكرام، أن أصف له هيئة دارنا التي في الشام، وما بها من لطائف المصنوع، وغرائب ما بها من الدقة موضوع، وهي موقعها قبلي جامع بني أمية الشهير، وتنتسب لمشيدها الشهير بابن العظم أسعد باشا الوزير، في محلة البزورية، فشرعت بجميع وصف تلك الدار السنية، وسميته «الدرر البهية بوصف السراية الأسعدية» فأقول: ابتدأ أسعد باشا بعمارة داره في سنة 1160، فأتمها في سنة 1163 حكم تواريخها حين انتهائها، فابتدأ بحفر أساسها فحفر الأساس وبناها بالحجر الغشيم
6
صفحه نامشخص
والكدان
7
قيمة أربعين ذراعا ارتفاعا، وعرضا ذراعين ونصف، أوسط البناء حجر غشيم وظاهره، وأما باطنه لوجه الدار حجر نظيف مزي
8
أبيض وأحمر وأسود، فبنى جميع جدارها كما وصفنا، وبنى جدارا آخر متصلا بجدار الباب حاجزا ما بين الدخول من الباب، وهوا دهليز
9
عن أرض الدار، وعلو ارتفاعه كالجدران الأولى، وبنى فوقهما قصورا على باب الدار يأتي وصفهم، فيدخل من باب الدار إلى دهليز مستطيل شرقي طوله خمسة وعشرون ذراعا، وعرضه سبعة أذرع، ثم يلف
10
لدهليز آخر قبلي بقدر الأول طوله وعرضه، ينتهي إلى فسحة تجاه الدار، فيدخل إلى الدار من تلك الفسحة لباب دهليز شمالي صغير طوله ثلاثة أذرع وعرضه كذا لباب أيضا، وطول دهليزه وعرضه كالأول لباب كذا يدخل منه لدهليز مستطيل ثم لأرض الدار.
ثم أخذ من أصل الدار ما ينوف على مساحة مائة وثلاثين ذراعا طولا، وعرضا مائة ذراع فسحة للدار، وبنى بها من القاعات ثلاثة: إحداها قبلية وهي (القاعة الأولى)،
صفحه نامشخص
11
أعظم بناء في الدار وألطف وأفخر، فأخذ مساحتها طولا وعرضا ستمائة ذراع، وبنى أساسها كأساس الدار وارتفاعه وعرضا قيمة ذراعين، ومن أعلى الأرض ارتفاعها قيمة خمسة وثلاثين ذراعا، وبنى ظاهرها بالحجر المزي والأبيض والأسود، وواجهة للدار أكثره من الحجر النافر
12
متقن الصناعة، وبالداخل حجر مرمر ورخام، وجعل لها ثلاثة أواوين؛ واحد صدراني
13
واثنان متقابلان، وكل إيوان جعل فيه تسعة شبابيك، فالإيوانان المتقابلان لبعضهما نقشهما سواء وسائر أحجارهما منقوش منزل به ذهب، وبه أيضا من الذهب النافر والعروق والمشجرات من الأحجار المحفورة بحائطهما المنزلة بماء الذهب ما أتقن صناعته، وجعل فوق كل شباك قمرية
14
من أبدع ما يكون بلور ومنقوشة بماء الذهب والدهان والكتابة الجميلة، وكل من القماري الذي فوق الشبابيك الصدارة
15
من الإيوانين مكتوب به في الوسط «هو الخلاق الباقي» في ماء الذهب، وهي مستديرة كالدائرة، والذي بجوانبها مستطيلين مكتوب على كل منهما «محمد رسول الله» في ماء الذهب، كل من الإيوانين المتقابلين، وعلى دائرهما فوق الحجر المنقوش حلقة من الخشب المتقن الصناعة والدهان، ومكتوب بها في ماء الذهب «أحاديث رسول الله
صفحه نامشخص
صلى الله عليه وسلم ».
وأما الإيوان الصدراني فجعله مثلهم في العمارة، بل زاد به في صدره سلسبيل ماء ينزل منه الماء، وجعل ذلك السلسبيل من الأحجار القيشاني على عمودي مرمر، وأبدع في نقش أحجاره من الذهب النافر المنزل،
16
وجعل به أيضا تسعة شبابيك، على كل شباك قمرية أيضا بلور منقوشة في ماء الذهب، القمرية الصدرانية من الإيوان مستديرة مكتوب بها «كلما دخل عليها زكريا المحراب»،
17
وبجانبها الأيمن والأيسر قمريتان مستطيلتان، فباليمنى «يا حافظ يا معين»، وبجانبها الأيسر «يا حنان يا منان»، وبالجنب الغربي من الإيوان المذكور بالقمرية الوسطى «لا إله إلا الله نصر من الله وفتح قريب»، وبجوانبها «يا حي يا قيوم»، «يا مجيب الدعوات»، وبالجنب الشرقي «يا قاضي الحاجات، لا إله إلا الله في كل وقت وحين، لا إله إلا الله حتى ترث الأرض ومن عليها وأنت خير الوارثين»، وكل تلك الكتابة على هاتيك القماري بماء الذهب مع النقش من العروق والمشجرات من جميع الأدهان العجيبة، ومنقوش على حلقة ذلك الإيوان الخشب
18
تاريخ انتهاء عمارتها بأبيات في مدح صاحب الدار، وهي بماء الذهب وإتقان صنعة الخط الجميل:
قاعة أشرقت بشمس الصداره
وبها السعد معلن بالبشاره
صفحه نامشخص
وبأغصان دوحها كل وقت
ينطق الصفو بالسرور هزاره
وبأبراجها مطالع سعد
تنتحيها الكواكب السياره
قد بناها الوزير (أسعد) من قد
أطد
19
الله في المعالي فخاره
الهمام الشهم المفيد المفدى
من غدا الحمد والثناء شعاره
صفحه نامشخص
آصف الوقت من حوى حسن رأي
لم تكن تلحق العقول غباره
من خفوق الرياح فاح ثناه
والعطايا من جوده مستعاره
جاء تاريخها ببيت فريد
هو كالدر أبرزته محاره
يا لها قاعدة يلوح لديها
كل يوم بهاء عز الوزاره
1163
وجعل داخلها خزنة
صفحه نامشخص
20
متسعة، وجعل بابها من أحد الشبابيك التسعة الموجودة في ذلك الإيوان، وجعل بها عتبة لا تكاد توصف بما فيها من الصناعة المفتخرة الجميلة، وهي قد جعل كل شعيرة
21
إيوان؛ أي من طرف نزول الإيوان إلى القبة بأحجاره المرمر والمزي والرخام والأحجار المشكلة الصغيرة القدر، ووضع بأرض القبة أربعة أحجار مقابل بعضها بعضا لا يكاد يوصف حسنها، وليس لها مثال في شامنا سوى أربعة أحجار صغار في الجامع الأموي، وما بين تلك الحجارة الأربعة حجارة ملونة مقطعة صغار وكبار، الصغيرة منها لا تبلغ الزر محكمة الصناعة والإتقان، وبين تلك الحجارة الأربعة التي مساحة كل منها طولا ذراعان ونصف وعرضا ذراع ونصف، بحرة
22
صغيرة مستديرة عبارة عن ثمانية أذرع، استدارتها مركبة على أربعة وعشرين حجرا، منحوتة مركبة ملتصق بعضها ببعض لا يدخل بينها مشك
23
إبرة كأنهما حجر واحد، وكل حجرين منهما متشابهان متقابلان، والأربعة وعشرون حجرا مثقوبة يخرج منها الماء بشدة، وكل ثقب يخرج منه الماء بسبع من النحاس المطلي بالفضة والذهب، وكل من جميع الأحجار كل شكل يلائم شكله، ثم أوسط البحرة كاس من الرخام الأبيض مخرم تخاريم لطيفة ومنقوش نقشا جميلا، يخرج أيضا منه الماء من مواضع متعددة ما ينوف على خمسين محلا بشدة، يخرج الماء ويعلو قيمة ذراعين، وأبواب الشبابيك التي في القبة بجوانب باب القاعة والباب أيضا مرصعة بفصوص الصدف، ومقابل الشبابيك أيضا شبابيك الإيوان الصدراني، الصدارة أبوابها أيضا مرصعة بفصوص الصدف، وعلى الباب من الداخل أحجار مقطعة صغيرة منقوشة لا تكاد توصف منزلة بماء الذهب، وعلى الباب قمريتان ملتصقتان بلورهما منقوش بماء الذهب، وبها مشجرات وما أشبه ذلك من السرو والنخل بماء الذهب، وتلك القمريتان بينهما عمودان من رخام ملتفان بعضهما على بعض، وبينهما نازل بصورة حية أيضا من الرخام النافر.
وكل من الأواوين والقبة بسقف له طوان
24
صفحه نامشخص
من الخشب المتقن الصناعة الذي في زماننا الحاضر لا يمكن عمل مثله، أكبر قطعة من الطوان من الخشب لا تبلغ نصف ذراع طولا وربع عرضا، منزل في بعضه مدهن بالدهانات اللطيفة ومنقوش بماء الذهب، وخارج الباب على قدر الباب برواز
25
من الحجر المزي والمرمر المنزل بماء الذهب المرصع بفصوص الصدف، وعلى باب القاعة من الخارج مكتوب أيضا تاريخ على الحجر النافر بماء الذهب، وهو:
بسم الله الرحمن الرحيم، سلام عليكم، طبتم فادخلوها خالدين
باسم
26
الله حل بها التهاني
وحمد الله من حسن البضاعه
وبالتوفيق والإتقان شيدت
كنور نير أبدا
صفحه نامشخص
27
شعاعه
لها الأقدار فاهت في علاها
بتاريخ أتى فرد الصناعه
أمير الحاج أسعد في كمال
حباه الله بالإكرام قاعه
1163
ولها فسحة تجاه الباب بمقدار خمس أذرع طولا وذراعين ونصف عرضا، ومن كل ناحية من تلك الفسحة درج إلى أرض الدار مقدار سبعة درجات بالحجر الأسود النظيف، وعلى طرف الدرجين إلى الدار والفسحة درابزين حديد إلى أسفل الدرج، وبقدر الدرجين والفسحة التي تجاه القاعة دكة مرتفعة عن أرض الدار قيمة ذراع مربع، والدرابزين الحديد محتاط بها، وهي جميعها مرخمة
28
بأنواع الحجارة الجميلة، وبصدر تلك الدكة بأسفل الفسحة التي تجاه القاعة مناصف الدكة
صفحه نامشخص
29
سلسبيل ينزل منه الماء من ماء البحرة التي بالقاعة، فينزل الماء من السلسبيل بساقية بنصف الدكة، وتلك الساقية مقدار قيراطين، عمقها وعرضها ثلث الذراع، مفروشة بأنواع الرخام الصغير القدر فينزل الماء لرأس الدكة بتلك الساقية، وبرأس الدكة إلى جانب أرض الدار بوسط الدكة المذكورة فسقية
30
جميلة المنظر حجرا واحدا يخرج منها الماء، ويدور بتلك الفسقية دورات ليصل لخارج الفسقية، فيجتمع ماء الفسقية وماء السلسبيل فيصبان في سلسبيل ثان لمساحة أرض الدار لتصريف الماء، وتلك القاعة جعل تحتها فاضي
31
قبو على قدر جميعها. (والقاعة الثانية) جعلها شمالية، فأخذ مساحتها قيمة مائة وستين ذراعا، فأسسها كالأولى وطلع في ارتفاعها عن الأرض قيمة عشرين ذراعا، وجعل بها إيوان واحد وتسعة شبابيك فأبدع صنعة ذلك الإيوان جعل دائره حلقة من الخشب، ودهن ذلك الخشب بالدهان العجيب والنقش بماء الذهب، وجعل لسقفه طوان من أبدع ما يكون من الصناعة المتقدم شرحها في طوانات (القاعة الأولى)، وكله منزل بماء الذهب، وعلى دائر الطوان مكتوب بماء الذهب مدح بحق رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وبعض من البردة
32
والهمزية،
صفحه نامشخص
33
وبأعلى الحلقة أبيات هي:
حمدا لمن منح الإحسان والجودا
وخلدت شكره النعماء تخليدا
وأوسع الخلق أفضالا وكان به
مستوجبا منهم شكرا وتحميدا
ووفق البطل الكرار أسعد من
أولاه مولى الورى صبرا وتأييدا
أمير حجاج بيت الله من فتحت
راياته لهم ما كان مسدودا
صفحه نامشخص
صدر الصدور الذي دان الزمان له
وبدد البغي والعدوان تبديدا
عهد الوزارة لم ينجب بأكرم من
ذا الصدر إذ كان بالأسعار موعودا
كم فرقت عزمات منه ماضية
كتائبا وجيوشا تملأ البيدا
فقد أجد بناء المكرمات بما
يفيد ذكرا مدى الأيام محمودا
وشاد باليمن أسنى قاعة شرفت
حتى غدت منهلا للجود مورودا
صفحه نامشخص
بلابل السعد في أغصان دوحتها
تقري المسامع بالأفراح تغريدا
فما الخورنق في إبداع صنعته
يحكي لها رونقا حسنا وتشييدا
كأنما النقش يبدو في جوانبها
كواكب نضدت في الأفق تنضيدا
قد حصنتها المثاني والكتاب فإن
طرف الحسود رآها عاد مردودا
يحفها الغيث والأزهار يانعة
فيشهد الطرف للسراء تجديدا
صفحه نامشخص