بدأت قضية المرأة على حق يشوبه الغلط، ولم يكن لها بد من البدء على الحق المشوب بالغلط وإلا تأخرت ، أو جمدت، فلم تبدأ على وجه من الوجوه.
بدأت في معمعة المطالبة بالحقوق : رعايا يطلبون حقوقهم من ملوكهم، وعبيد يطلبون حقوقهم من سادتهم، وأجراء يطلبون حقوقهم من أصحاب الأموال، وشعوب مغلوبة تطلب حقوقها من شعوب غالبة، بل أبناء يطلبون حقوقهم من الآباء، وعباد يطلبون حقوقهم من المعبود.
فلما جاء دور المرأة في هذه المعمعة كانت مطالبتها بحقوقها خصومة جديدة في معترك الخصومات الكثيرة، خصومة مع الرجل أو خصومة بين الجنسين، وهذا هو موضع الغلط في قضيتها التي بدأت على حق لا ينكره، ولا يجدي نكرانه بعد الانتباه إليه، وكثيرا ما يبتدئ الانتباه إليه من الرجال قبل النساء.
فمن الحق أن المرأة كانت مظلومة مسخرة قبل عصور المعرفة والحرية، ولكن الغلط في وضع قضيتها أن يكون هذا الظلم خصومة بينها وبين الرجل، أو خصومة بين الجنسين، فإن الجنسين معا كانا ضحية لعدو واحد لم يعرفاه إلا على مهل وبعد ضلال بعيد عنه، وعن منافذ الخلاص منه.
كان الرجل ضحية جهله يوم كانت المرأة ضحية جهلها وجهله.
وكان الرجل مظلوما يوم كانت المرأة مظلومة، وكانت مسئولة مثله عن هذا الظلم - أو غير مسئولة - فهما على الحالين مستويان.
وكان كل ما تشكوه المرأة من مساوئ الاجتماع يشكوه الرجل مع اختلاف في الدرجة، واختلاف في القدرة على الشكاية، وربما صمتت الشكاية باختيار متفق عليه بين الرجال والنساء، وقد يقف الرجال والنساء معا في حظيرة الاتهام أمام ضحية أخرى لا هي بالخصم، ولا هي بالطرف المعقول في موقف من مواقف الخصومة، وتلك هي ضجة الطفولة المظلومة من البنين والبنات، قبل أن يصبحوا مع الزمن رجالا ونساء وآباء وأمهات.
فما من شك في ظلم الطفولة يوم كان الرجال مظلومين والنساء مظلومات، وما من شك كذلك في مصاب الجميع بجرائر هذا الظلم؛ مصاب الظالمين، والمظلومين.
كم ظلمت الأم في العصور الغابرة من وليد تحبه ووليدة تحبها؟ وكم ضاع هذا الظلم بين تبعة لا تعرف وتبعة تعرف على جهل وضلالة؟
ومن المسؤول عن الجهل والضلالة؟ قل على حد سواء: إنهم البنون والبنات، كما تقول: إنهم الآباء والأمهات، أو تقول: إنهم الرجال والنساء.
صفحه نامشخص