انگلستان و کانال سوئز
إنجلترا وقناة السويس: ١٨٥٤–١٩٥١م
ژانرها
وحاول جرانفل وزير الخارجية البريطانية أن يتعرف على رأي الدولة الألمانية في ذلك الموضوع؛ موضوع حماية قناة السويس، فبين المستشار الألماني بسمرك أنه لا زال يعتقد أن السلطان العثماني هو صاحب الحق الأول في حماية القناة والإشراف عليها، إذ هي جزء من ممتلكاته، فإذا لم يكن السلطان راغبا في القيام بهذه المهمة، كان على الدول الأخرى أن تعمل، فإذا قامت هذه الدول بحماية مصالحها، فإن الدولة الألمانية لن تتحمل أية مسئولية عن هذا العمل أو عن الإجراءات التي قد تتخذ، كذلك لن توافق ألمانيا على تعديل المعاهدات الموجودة، ولن توافق أبدا على فكرة انتداب دولة أو دولتين للقيام بحماية قناة السويس، فالمستشار الألماني يرى أن تشترك في ذلك الدول جميعا، على أن تكون حقوقهم جميعا متساوية في اتخاذ تدابير بوليسية بحرية إذا استلزم الأمر ذلك، وقال بسمرك: إن هذا هو اتجاه الرأي العام الألماني، ووافقته على هذه الخطة روسيا والنمسا والمجر وإيطاليا.
ولقد حاول وزير الخارجية البريطانية جرانفل إقناع ممثل ألمانيا بأن الموقف في القناة غريب، فالحكومة الشرعية، وهي حكومة الخديو، ليست في مركز تستطيع معه حماية قناة السويس أو الدفاع عنها، والحكومة الفعلية التي تمتع بالسلطة هي القائمة بالثورة، وهي التي يخشى خطرها على كيان القناة وسلامتها، والسلطان العثماني صاحب حقوق السيادة في مصر لم يتخذ إلى الآن أية إجراءات تكفل سلامة القناة، وضرب مثلا لذلك بأنه إذا اشتعلت النيران في منزل، فيجب ألا يتردد سكان ذلك المنزل في العمل على إخماد النيران انتظارا لمجيء صاحب المنزل والحصول على إذن منه، فهذا - كما يرى جرانفل - هو موقف إنجلترا بالنسبة لقناة السويس، وأضافت الحكومة الإنجليزية إلى ذلك بأن الحماية البحرية للقناة بغير إنزال جنود على ضفتيها لا تغني كثيرا.
لم يقتنع المستشار الألماني بسمرك برأي الحكومة الإنجليزية ولم يتحول عن رأيه، ولكن الحكومة الإنجليزية لم تقف عند هذا الحد، فهي قد وطنت العزم على حماية مصالحها، ولو أدى الأمر استعمال القوة وتجاهل حقوق المصريين والأتراك على السواء؛ ولذا قررت أن ترسل للباب العالي إنذارا بأنه إذا لم يجب دعوة الدول الكبرى في مدى أربعة وعشرين ساعة لوقف عرابي عن حده والقضاء على الثورة المصرية، ستعتبر الحكومة البريطانية إجابته سلبا، وتتخذ حينئذ ما تراه ضروريا لحماية مصالحها في القناة، واتصلت بالدول الكبرى تنبئهم بعزمها على اتخاذ تدابير فعلية في حماية القناة، مما جعل الحكومة الإيطالية تعتقد أن الحكومة البريطانية لا تبغي جادة تدخل الحكومة العثمانية؛ لأن مثل هذا الإنذار إذا قدم للسلطان سيحدث بلا ريب أثرا سيئا ورد فعل شديد لديه، إذ معناه أن السلطان أصبح في مركز ذليل يتلقى فيه الأوامر من إنجلترا في مسألة تختص بحقوق سيادته في أمر بلاد اعترفت كل الدول بأنها تابعة له، ولما وجدت الحكومة الإنجليزية أن الدول الأخرى لا تقر مثل هذه الخطوة العنيفة لم تبعث بذلك الإنذار .
ولكنها استمرت بنشاط في تجهزها للطوارئ، وأرسلت بقوات جديدة إلى قبرص ومالطة لتكون على تمام الأهبة والاستعداد، وأرسلت وزارة البحرية إلى قائد البحر بوشومب سيمور بأن يطلب من الحكومة المصرية في الإسكندرية تصريحا مكتوبا لأمير البحر هوسكنز قائد القطع البحرية البريطانية في مياه بورسعيد ليعمل باسم حكومة الخديو في منطقة قناة السويس، وأن يستولي على الإسماعيلية، وأن يحرم عرابي باشا وأتباعه من استخدام السكة الحديدية بين الإسماعيلية والسويس.
ولقد احتج فردنند دي لسبس على انتهاك الحكومة الإنجليزية لحياد القناة، بإنزال قوات عسكرية في الإسماعيلية، وأعلن أن للسفن جميعا حربية وغير حربية حرية المرور في القناة، دون القيام بأعمال عدوانية في مياهها أو أراضيها، وكرر فكرته بأن هذا الحياد قد احترم بالفعل إبان الحرب الفرنسية الألمانية والحرب الروسية التركية، فلم تعتد الروسيا على القناة ولو أنها جزء من ممتلكات الدولة التركية التي هي في حالة حرب معها، وذكر دي لسبس أن السفن المتعادية قد تقابلت في القناة دون أن تتبادل إطلاق النار.
فأعمال الإنجليز الآن - كما وضح - تكون سابقة خطيرة للمستقبل، قد تأسف لها بريطانيا نفسها، إذ إنه في أية أزمة سياسية في المستقبل تستطيع أية دولة معادية لبريطانيا، على أساس هذه السابقة، احتلال إحدى ضفتي القناة وإطلاق النيران على السفن الإنجليزية أثناء مرورها.
ولكن إذا احترم حياد القناة الآن فلن يقوم مثل ذلك العمل.
ولذا، كرر دي لسبس أنه لا يجب استخدام قناة السويس كقاعدة للعمليات الحربية أو تحويلها إلى ميدان حرب، وبين دي لسبس في احتجاجه هذا، أن عرابي باشا نفسه «الذي أعلن عليه الإنجليز الحرب» قد احترم بالفعل حياد القناة، فلم يحشد قوات في منطقتها، ولم يمس حرية المرور في القناة نفسها، وأنه سائر في هذه الخطة طالما لم تستخدم القناة قوة معادية للقيام بأعمالها الحربية.
ولم يرق احتجاج دي لسبس هذا الأعضاء الإنجليز في مجلس إدارة الشركة، فهؤلاء الأعضاء لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام حجج دي لسبس التي برر بها موقفه من ضرورة احترام إنجلترا لحياد القناة ، فأعلنوا أنهم لا يستطيعون الثقة في نيات عرابي باشا، ولا في احترامه لحياد القناة، وأنه قد اتصل بهم أن عرابي باشا ينوي الإضرار بالتجارة الإنجليزية، بوقف حركة المرور في القناة ومهاجمة السفن البريطانية فيها، وكذلك لا يمكن الاعتماد على وعوده فيما يختص بالمستقبل.
وبينوا كذلك أن دخول قوات بريطانيا البحرية في القناة ليس إلا لدرء ذلك الخطر، وأن من الخير القيام بذلك الإجراء الآن، لا الانتظار حتى يتفاقم الخطر وتعطل القناة، وأضاف الأعضاء الإنجليز إلى ذلك أن حكومتهم قد اضطرت اضطرارا للقيام بهذه التدابير، وأنها قد قامت بها باسم الخديو وباسم حكومته الشرعية ضد الجيش الثائر، وأن غرض إنجلترا هو حماية الأمن والنظام في مصر وحماية السلطة الشرعية في البلاد، وأن خطة الحكومة الإنجليزية التي اتخذتها هي في صالح القناة لا اعتداء على حيادها.
صفحه نامشخص