انگلستان و کانال سوئز
إنجلترا وقناة السويس: ١٨٥٤–١٩٥١م
ژانرها
ولقد حاول ديزريلي بالفعل أن يقنع زملاءه في الوزارة بأهمية الصفقة لإنجلترا، ونال في آخر الأمر موافقتهم جميعا على مبدأ شراء الحكومة الإنجليزية لأسهم الخديو إسماعيل في قناة السويس، بعد أن تمسك عدد منهم بمعارضة الفكرة إلى آخر لحظة، ولقد استصوبوا جميعا في آخر الأمر رأي رئيسهم؛ لأن الحوادث - كما اعترفوا هم بذلك - قد أيدت وجهته، وأثبتت بعد نظره.
رأى ديزريلي أنه يجب على الحكومة الإنجليزية ألا تتأخر يوما واحدا، حيث إن حالة مصر المالية سائرة في طريق الانهيار السريع، والخديو إسماعيل في أشد الحاجة إلى المال، والمنافسون للحكومة الإنجليزية متيقظون، ولقد ظل الخديو إسماعيل فترة كارها لأن يضع نفسه بين يدي الحكومة الإنجليزية وتحت تصرفها، إذ كان يفهم تماما معنى شراء إنجلترا لهذه الأسهم من الناحية السياسية. ولكن كان من الصعب إن لم يكن من المستحيل إيجاد المبلغ اللازم له في فرنسا أمام المعارضة الشديدة التي قامت بها الحكومة الإنجليزية.
ولقد خشي الدوق ديكاز وزير الخارجية الفرنسية في ذلك الوقت، وكان شديد الحرص على صداقة إنجلترا، فهي التي وقفت إلى جانب فرنسا في أزمة ربيع سنة 1875 الشديدة، وأنقذتها من أظفار ألمانيا، خشي ديكاز أن يتدخل لتأييد الشركة الفرنسية إذ كان يعرف ما سيكون لذلك التدخل من أثر على موقف الحكومة الإنجليزية بالنسبة لفرنسا، إذن لتزعزع مركز فرنسا في أوروبا، ولتخاذلت قوتها وتضعضعت أمام الخطر الألماني الذي كان يتهدد دائما حكومة المحافظين في فرنسا؛ ولذا فلا عجب إذا وجد ألا يقدم للشركة الفرنسية أية معونة، وعلى ذلك انتهى الأمر بفشل مسألة الرهن ومعها مشروع الشركة الفرنسية.
كانت هذه الشركة قد طلبت في الواقع ربحا فاحشا على رأس المال، 18٪ فائدة للمبلغ الذي تقدمه للخديو إسماعيل، فإذا عجز حاكم مصر عن أن يدفع لها ذلك المال في وقت معلوم يضيع حقه في 15٪ من الأرباح السنوية لشركة قناة السويس، وتصبح الأسهم ملكا للشركة، واتفق بين الفريقين على جعل يوم 26 نوفمبر سنة 1875 الموعد النهائي للموافقة على هذه الشروط.
وكان فردنند دي لسبس مدير شركة قناة السويس يؤيد هذه الشركة التي ستقرض الخديو إسماعيل، وكان يحاول إقناع الرأسماليين الفرنسيين بجمع المال اللازم لها، ولقد طلب بالفعل من الحكومة الفرنسية - وكانت حكومة المحافظين - التدخل لصالح الشركة وتأييدها سياسيا، وإزالة العقبات المالية الموجودة أمامها.
ولكن الحكومة الفرنسية في ذلك الوقت كانت ضعيفة مترددة، تهتم أولا وقبل كل شيء بمركزها في أوروبا ومراقبة الخطر الألماني وكسب الأصدقاء، هذا من الناحية الخارجية، وأما من الناحية الداخلية، فكان مركزها مزعزعا لانقسام الملكيين على أنفسهم، يهددها الحزب الجمهوري باستمرار؛ ولذا كانت في حاجة شديدة إلى تأييد إنجلترا السياسي لها وإلى عدم إثارة مشاكل خارجية قد تودي بحكم المحافظين في فرنسا وبمركز فرنسا في أوروبا.
وكانت الحكومة الإنجليزية قد بينت موقفها بالضبط في ذلك الموضوع، فلقد أعلن داربي وزير الخارجية الإنجليزية لجافارد ممثل فرنسا في لندن، بأن الحكومة البريطانية كانت ترى في ملكية الخديو لجانب كبير من أسهم شركة قناة السويس وسيلة للاطمئنان بأن القناة ليست ملكا للفرنسيين وحدهم؛ ولذا فليس أمام إنجلترا إلا أن تعارض معارضة شديدة في وقوع هذه الأسهم في يد شركة فرنسية؛ فالخديو إذا تم الرهن لن تسمح حالته المالية بسداد المبلغ ولا فوائده، فسينتهي الأمر إذن بوقوع هذه الأسهم في يد الشركة الفرنسية نهائيا.
وإن إنجلترا، كما أضاف داربي، تعتبر موقفها هذا ضروريا تمليه أبسط وسائل الدفاع عن مصالحها، فقناة السويس - كما يرى وزير الخارجية البريطانية في ذلك الوقت - هي سبيل المواصلات البريطانية إلى الهند، ولبريطانيا أربعة أخماس التجارة التي تمر بها، وأنه يرى لذلك أن مصلحة بريطانيا في حماية قناة السويس وإدارتها أكبر بكثير من مصلحة أية دولة أخرى.
وأرسلت حكومة لندن تعليمات بذلك إلى ستانتون معتمدها في مصر، فعليه أن يبين للخديو إسماعيل في جلاء وقوة بأن الحكومة البريطانية لن تسمح برهن هذه الأسهم لدى شركة فرنسية، ولا بد من وقف المفاوضات بين عاهل مصر والشركة الفرنسية مدة؛ حتى تعطى الحكومة البريطانية فرصة لإبداء رأيها في الموضوع.
وعرض ديزريلي لشراء نصيب الخديو في أسهم القناة أربعة ملايين من الجنيهات، وقدم الأمر إلى مجلس الوزراء البريطاني الذي نظر في الموضوع، ووافق على الثمن في 24 نوفمبر، وفي 25 نوفمبر أمضى العقد في القاهرة، وأودعت الأسهم دار قنصلية بريطانيا، لقد تم للإنجليز الاستيلاء على أسهم الخديو إسماعيل في خلال عشرة أيام.
صفحه نامشخص