في البداية كان هناك سبعة عشر مجتمعا مسيحيا مختلفا، كما كانت هناك تسعة مجتمعات مختلفة وسط اليهود، شاملة نوعي السامريين. اتهمت تلك المجتمعات التي كانت تتباهى بأنها الأكثر أرثوذكسية غيرها بأشد الفواحش شططا. مصطلح «غنوصي» الذي كان في البداية مدعاة للفخر، وكان يعني «متعلم»، و«مستنير»، و«نقي»، أصبح مصطلحا يدل على الفظاعة والازدراء، وتعييرا بالهرطقة. ادعى القديس إبيفانيوس في القرن الثالث أن الرجال والنساء اعتادوا على دغدغة بعضهم بعضا؛ وأنهم بعد ذلك كانوا يقبلون بعضهم بعضا قبلات فاحشة، وأنهم كانوا يقيسون درجة إيمانهم بقدر شهوانية قبلاتهم؛ وأن الزوج كان يقول لزوجته عندما كان يقدم لها عضوا جديدا شابا: «تبادلي الأغابي مع أخي.» ومن ثم كانوا يتممون الأغابي.
لن نجرؤ هنا أن نكرر باللسان الفرنسي العفيف
1
ما يضيفه القديس إبيفانيوس باليونانية في كتابه «ضد أنصاف الإخوة» (الكتاب الأول، الجزء الثاني). سنقول وحسب إنه ربما كان هذا القديس مخدوعا نوعا ما، وإنه سمح لنفسه أن تشتط به الحماسة، وإنه ليس كل الهراطقة فاحشين فاضحين.
إن طائفة «التقويين» برغبتها في أن تحاكي المسيحيين الأوائل، تتبادل قبلات السلام في نهاية تجمعاتها، ويدعو بعضهم بعضا «أخي، وأختي»؛ وهذا ما صرحت به لي منذ عشرين عاما سيدة تقوية بارعة الحسن والإنسانية. كانت العادة القديمة هي التقبيل على الفم؛ وحافظ التقويون بعناية عليها.
لم تكن هناك طريقة أخرى لتحية السيدات في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإنجلترا؛ كان من حق الكاردينالات أن يقبلوا الملكات على الفم، وحتى في إسبانيا. أما الأمر الفريد فأنهم لم يكن لهم الامتياز نفسه في فرنسا؛ حيث كانت لدى النساء دوما حرية أكبر مما في أي مكان آخر، ولكن «لكل بلد طقوسها»، ولا يوجد عرف من العمومية بحيث لا تقدم المناسبة والعادة استثناءات منه. كان من الفظ والمهين بالنسبة إلى امرأة محترمة حينما تستقبل أحد السادة لأول مرة ألا تقبله، بصرف النظر عن شاربيه. يقول مونتين (المجلد الثالث، الفصل الخامس): «إنها عادة مسيئة ومهينة للسيدات أن يكن مضطرات لإعارة شفاهن لأي زائر لديه ثلاثة خدام في جناحه، وإن يكن منفرا.» مع ذلك فقد كانت تلك العادة هي الأقدم في العالم.
إذا كان من الكريه لفم صغير جميل أن يلتصق بفم كبير قبيح بدافع من المجاملة، فقد كان هناك خطر عظيم فيما بين أفواه حمراء نضرة في عمر العشرين إلى الخمسة والعشرين، وهذا هو ما أدى إلى إلغاء طقس التقبيل في أسرار الأغابي. ولعل هذا هو ما تسبب في اقتصار النساء عند أهل المشرق على تقبيل آبائهن أو إخوتهن فقط؛ وهو تقليد نقله العرب إلى إسبانيا منذ زمن طويل.
ها هو الخطر، سنكتشف أن هناك عصبا من الزوج الخامس يمتد من الفم إلى القلب ومن ثم لأسفل، بمثل هذه الصنعة الرفيعة أعدت الطبيعة كل شيء! الغدد القليلة للشفاه، بنسيجها الإسفنجي، وحلماتها الناعمة، وجلدها الرقيق، الحساس؛ كل ذلك يمنحها إحساسا شهوانيا فاتنا لا يخلو من التناظر مع جزء آخر أكثر خفاء وحساسية. ربما يصعب الاحتشام أثناء قبلة مطولة مستلذة بين شخصين تقويين في الثامنة عشرة من العمر.
ومما تجدر ملاحظته أن الجنس البشري واليمام والحمام هم وحدهم من يعرفون التقبيل، ومن هنا أتت عند اللاتينيين كلمة «كولومباتيم» (مشابهة الحمام) التي لا تستطيع لغتنا ترجمتها. ما من شيء لم يسأ استعماله. القبلة التي صممتها الطبيعة للفم طالما عهرت باستخدامها مع أغشية لا يبدو أنها صنعت لهذا الغرض. يعلم المرء بالطبع ما اتهم به فرسان الهيكل.
لا نستطيع بصراحة أن نعالج هذا الموضوع الممتع لمدة أطول، مع أن موتين يقول: «ينبغي أن يتكلم المرء عن ذلك بلا خجل؛ نتكلم بالفعل بصفاقة عن «القتل» و«الجرح» و«الخيانة»، لكننا لا نجرؤ على الكلام عن ذلك الأمر إلا بأنفاس متقطعة.»
صفحه نامشخص