121

قلب عراق

قلب العراق رحلات وتاريخ

ژانرها

لو كان العرب، بل لو كان الشرقيون يعنون بتواريخ ألعابهم عنيهم بتواريخ الملوك والحروب، أو عنيهم بالشعر والأساطير، لجاء في كتبهم عن هذه اللعبة الشيء الكثير من الطرف والأخبار، ولعلمنا ما كان من شأنها ببغداد. بيد أن العرب يزدرون - على ما يظهر - الكرة كيفما لعب بها، على الأرض أو من صهوة الخيل، بالرجل أو باليد أو المحجن، ولا يحسبونها تليق بغير الأولاد. وما جاء ذكر البولو؛ أي لعب الكرة بالمحجن من على صهوة الخيل، غير مرة، على ما نعلم، وذلك في بيت من الشعر لبشار بن برد.

على أن اللعبة هذه كانت معروفة عندهم، وإن لم تكن مألوفة، وقد أسموها بالصولجان؛ أي باسم العصا التي تطارد بها الكرة، فقد نظم بشار في هجاء الخليفة المهدي بيتين من الشعر البذيء ، ورد في أولهما الشاهد على ما أقول:

خليفة ... ... عماته

ويلعب الدبوق والصولجان

وقيل إن هذين البيتين كانا السبب في غضب المهدي فأمر بضرب ذلك الشاعر المقذع بالسياط، فضرب حتى زهقت نفسه. إذا صحت هذه الرواية كان للصولجان ببغداد ذكر مفجع.

وهناك شاهد آخر على أن لعبة البولو كانت معروفة عند العرب، وأنها أسميت بالصولجان. ذلك أن الصولجان وهو المحجن؛ أي العصا المنعطفة الرأس، شبيه بالعصا التي تلعب بها هذه اللعبة الشرقية القديمة.

إنما العرب اتخذوا اسمها من الصولجان؛ أي المحجن، لا من الكرة.

أما أنهم فضلوا غيرها عليها من الألعاب فذلك معقول، ولا سيما وهم ينشدون الفائدة حتى في ألعابهم. إن لعب الجريد مثلا يعلمهم الفروسية، والفروسية لازمة في الغزو؛ كذلك الرماية، وهم ولعون بالصيد. بهاتين اللعبتين إذن - الفروسية والرماية - يتعلم العرب الإصابة، والمطاردة، والإغارة، وهي من الصفات اللازمة في لعبة الصولجان، وقد أضحت من تراث العرب مثل الكرم والشجاعة. فعندما بدأ الضباط الإنكليز يعلمون العراقيين الصولجان ما خطر في بالهم ما تكمن لهم الفروسية العربية. ولا خطر في بال اللورد إبسلي عندما عرض على الملك فيصل «مسألة هي أهم من المعاهدات» أن سيضطر في المستقبل القريب أن ينشر في جريدته أخبار فوز الفرق العراقية على الفرق الإنكليزية في مباريات الصولجان. على أن إقبال العراقيين هذه الأيام على سباق الخيل وكرة القدم يكاد يفوق إقبالهم على لعبة الصولجان.

ويعتز جميل الراوي، وهو من غواة لعبة الصولجان، بابن عمه الملازم الأول إبراهيم الراوي، بطل الميدان في الفوز على الإنكليز. دعانا جميل ذات يوم لمشاهدة فرقتين من الجيش العراقي تتباريان في الصولجان، فيممنا الميدان خارج السور الشمالي، وقد كانت أرض الميدان من التراب الناعم، فتثيره حوافر الخيل، وكثيرا ما يخفي الكرة عن أنظار اللاعبين، فيخطئونها، ولا حرج.

ومع ذلك فقد امتاز لعبهم بالخفة والنشاط، وكانوا في الفروسية على الأقل مبدعين، يقصرون في جولاتهم ويفرسخون، يجرون ويغيرون، وهم يتجاحفون الكرة بصواليجهم. قال جاري الإنكليزي - وهو من غواة هذه اللعبة - إن في جولاتهم خفة ومرونة، وإن ضرباتهم بقفا الصولجان لضربات محكمة، هي ضربات الحذقين اللبقين. على أني كنت معجبا بفروسيتهم أكثر مني بمهارتهم الصولجانية. فما كبا في ذلك الميدان جواد، ولا كان الفرسان أولو الصولجان أقل براعة ولمعانا من جيادهم العربية. أما ما كان من ضربات صاردة فهم كما قلت لا يلامون عليها، فقد طالما غلف الغبار الكرة، فأخفاها عن الأبصار.

صفحه نامشخص