قاهره
القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل
ژانرها
تحويل مصر والشام من المذهب الفاطمي الشيعي إلى المذهب السني دون معارضة حقيقية من جانب المصريين. وفي هذا يقول البعض: إن المذهب الفاطمي لم يتمكن من المصريين إلا رسميا، وظل أكثرهم على مذهب مالك والشافعي دون أن يعارضوا الفاطمية صراحة؛ وترتب على ذلك انحسار الفاطمية من شمال أفريقيا بعد سقوط مركز خلافتها في القاهرة الذي استمر أكثر قليلا من قرنين من الزمان، ولكن الكثير من الاحتفاليات الفاطمية ما زال يمارس حتى الآن في المناسبات الدينية. (4)
تحول القاهرة إلى مركز الخلافة الإسلامية بعد سقوط بغداد بأيدي المغول. وظلت القاهرة قاعدة الخلافة الإسلامية قرابة ثلاثة قرون (1258-1517) منذ السلطان بيبرس إلى أن انتزعها سليم الأول وحولها إلى إسطنبول.
هذه الأحداث الرئيسية مهدت للقاهرة زعامة سياسية وعسكرية وثقافية ودينية في العالم الإسلامي؛ مما جعلها مركزا تجاريا واقتصاديا كبيرا على مستوى العالم ذي الأهمية من الهند إلى أوروبا، فأصبحت قبلة الباحثين والعلماء والرحالة زهاء أربعة قرون.
وفي الفترة الأيوبية المملوكية حظيت القاهرة بكتابات عدد من الجغرافيين البارزين من مصريين ومشارقة ومغاربة. وكان عبد اللطيف البغدادي (1162-1219) عاصر القاهرة فترة صلاح الدين وخلفائه: العزيز والمنصور والعادل، وكانت القاهرة تمر في فترة تحول عمراني بعد استتباب الأمن، وعايش البغدادي مجاعة كبرى ووباء فتاك (1200-1202)، ودون ملاحظاته في كتاب مهم باسم: «الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر». وبرغم كل تلك الأحداث نجده يقول: «... وأما أبنيتهم ففيها هندسة بارعة وترتيب في الغاية حتى إنهم قلما يتركون مكانا غفلا خاليا من المصلحة. ودورهم أفيح، وغالب سكناهم في الأعالي، ويجعلون منافذ منازلهم تلقاء الشمال والرياح الطيبة، وقلما تجد منزلا إلا وتجد فيه باذاهنج [شخشيخة على السطوح لها عدة منافذ تفتح وتغلق حسب اتجاه الريح؛ لتمرير الهواء داخل البيت] وأسواقهم وشوارعهم واسعة، وأبنيتهم شاهقة ... ويبنون الحجر النحيت والطوب الأحمر وهو الآجر، وشكل طوبهم على نصف طوب العراق، ويحكمون قنوات المراحيض حتى إنه تخرب الدار والقناة قائمة، ويحفرون الكنف إلى المعين فيغبر عليه برهة من الدهر طويلة ولا يفتقر إلى كسح.»
38
بوصفه عالما مدققا نجد البغدادي ينتقد بشدة عملية نهب الآثار المصرية، واستلاب أحجارها وأعمدتها؛ لأغراض البناء ، وهي ملاحظة تبين عمق الفهم للقيمة الحضارية لآثار الماضي وشواهده. وأخيرا يعجب البغدادي بصناعة تفريخ الدجاج باسم الترقيد في مصر، ويسمي الحضانة «المعمل»، ويذكر بناءها وطريقة التدفئة وما إلى ذلك من سر الصنعة بتفصيل كثير إلى اليوم الثاني والعشرين حين يفقس البيض.
وفي أواخر العصر الأيوبي وأوائل المملوكي نجد كتابات ابن مماتي (توفي 1209) الذي ساعدت وظيفته كرئيس ديوان الجيش والمالية على كتابة «قوانين الدواوين» الذي يبحث فيه نظام الأراضي المصرية ومساحتها وعوائدها الضريبية. ومثل هذا المنحى في الكتابة أمر متكرر عند الكتاب المصريين الذين تسيطر عليهم شئون البلاد أكثر من الرحلة واستجلاء خصائص الأقاليم الأخرى وعادات ناسها، مثل: القلقشندي (توفي 1418)، وأبو الفدا وهو من نسب الأيوبيين وأمير لمدينة حماة واسمه: إسماعيل بن علي الأيوبي، وعرف أيضا باسم الملك المؤيد (1273-1357) وعاصر السلطان الناصر محمد، وشارك في عدة حملات عسكرية في آسيا الصغرى، وساهم في فتح طرابلس. وكذلك زار القاهرة في زمن السلطان الناصر أمير الرحلة الإسلامية ابن بطوطة، وابن دقماق الذي عاصر السلطان برقوق (1382-1399)، وشيخ الجغرافيين المصريين: هو تقي الدين أحمد بن علي المقريزي (ولد بالقاهرة 1364 وتوفي بها 1442) صاحب «المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار»، وهو موسوعة قاهرية على نمط كتابات الخطط السابقة، لكنها أشمل وأطول تاريخا وأدق وصفا للحياة في العصر المملوكي، وتعتبر خطط علي مبارك استكمالا جيدا لوصف القاهرة بيد مصرية أخرى على الرغم من أربعة قرون فارق زمني بينهما. ولا ننسى أن ابن خلدون (توفي 1401) كان في القاهرة زمن المقريزي.
39
وآخر الجغرافيين الإسلاميين العظام الذين ارتحلوا في مصر والقاهرة، هو الحسن ابن الوزان المعروف باسم ليون الإفريقي بعد ست سنوات من سقوط مصر في أيدي الدولة العثمانية. كتب الوزان الكثير من المعلومات نجتزئ منها الإشارات الآتية:
40
صفحه نامشخص