حصول مراد الثاني. فلو امتنع المرادان معا ، لوجب أن يحصلا معا ، حتى يصير حصول مراد كل واحد منهما ، مانعا للآخر عن حصول مراده. فثبت : أنه لو امتنع المرادان معا ، فيعود هذا القسم إلى القسم الأول ، وإنه باطل. وإنما قلنا : إنه يمتنع حصول أحد المرادين دون الثاني ، لأن كل واحد من هذين القادرين مستقل بالإيجاد. وقد دللنا على أنه يمكن أن يقال : إن إحدى القدرتين مستقل بالإيجاد. وقد دللنا على أنه يمكن أن يقال : إن إحدى القدرتين أقوى من الأخرى. لأنا بينا : أن ذلك المقدور شيء واحد ، لا يقبل التجزؤ والتبعض. ولا يقبل الأشد والأضعف. وإذا كان المقدور غير قابل للتفاوت ، امتنع أن يكون الاقتدار عليه قابلا للتفاوت. فثبت : أن كل واحدة من هاتين القدرتين ، مساوية للأخرى في القوة والشدة. وإذا ثبت هذا فنقول : لو كان مقدور إحدى القدرتين أولى بالوقوع ، لكان هذا رجحانا لأحد طرفي الممكن على الآخر من غير مرجح. وهو محال. فثبت : أن القول بإثبات موجد ما سوى الله تعالى ، يفضي إلى هذه الأقسام الباطلة ، فكان القول به باطلا.
واعلم : أن هذا الدليل ، هو الدليل المشهور ، المذكور في إثبات أن إله العالم واحد (1).
وبالله التوفيق
* البرهان الرابع
لو كان العبد موجدا لأفعال نفسه ، لكان عالما بتفاصيل أفعال نفسه. وهو غير عالم بتفاصيل أفعال نفسه ، فوجب أن لا يكون موجدا لأفعال نفسه. فنفتقر هاهنا إلى إثبات مقدمتين:
أما المقدمة الأولى : وهي قولنا : لو كان موجدا لأفعال نفسه ، لكان عالما بتفاصيل نفسه وهو غير عالم بتفاصيل نفسه ، فوجب أن لا يكون موجدا لأفعال نفسه فيدل عليه القرآن والبرهان.
أما القرآن : فهو قوله : ( ألا يعلم من خلق ) (2)؟ استكبر أن يكون الخالق للشيء ، غير عالم به.
صفحه ۸۳