تعلق قدرة الله تعالى به. إذ لو لم تتعلق قدرة الله تعالى به ، مع أنه يصح تعلق قدرته به ، لكان تعلق قدرته ببعض المقدورات دون البعض : ترجيحا لأحد طرفي الجانب على الآخر. وذلك لا يحصل إلا لمخصص قادر. فيلزم : أن لا يصير الله تعالى قادرا على مقدوراته ، إلا لأجل أن شيئا آخر قدر عليه. ولما كان ذلك في حق الله تعالى محالا ، علمنا : أنه قادر على جميع المقدورات ، فوجب القطع بكونه تعالى قادرا على مقدور العبد.
الحجة الثالثة على أنه تعالى قادر على مقدورات العباد : وهي : إنه لا شك أن الله تعالى قادر على بعض الممكنات. فكون ذلك البعض ، بحيث يصح أن يكون مقدورا لله تعالى ، وجب أن يكون معللا بإمكانه. لأنا لو رفعنا الإمكان ، بقي. إما الامتناع ، وإما الوجوب. وهما يحيلان المقدورية. وما كان مانعا من الشيء ، لا يكون علة لحصوله. ولما خرج الوجوب والامتناع عن أن يكونا علة لصحة المقدورية ، بقي الإمكان مانعا لهذه العلية. فثبت : أن الذي لأجله يصح في بعض الممكنات أن يكون مقدورا لله تعالى ، حاصل في جميع الممكنات ، فوجب القطع بأن جميع الممكنات يصح عليها أن تكون مقدورة لله تعالى. ولما ثبت عموم هذه الصحة فلو تعلقت قدرة الله ببعضها دون بعض لزم الافتقار إلى المخصص ، وهو محال. فثبت : أنه تعالى قادر على جميع الممكنات.
الحجة الرابعة : لا شك أنه تعالى قادر على نقل ذلك الجسم ، من ذلك الحيز إلى الحيز الثاني. وأيضا : العبد قادر عليه. فلو لم يكن مقدور العبد مقدورا لله تعالى ، لكان ذلك الانتقال ، الذي حصل بقدرة العبد : مميزا عن ذلك الانتقال الذي حصل بفعل الله تعالى ، قبل دخولهما في الوجود. لأنه قبل دخولهما في الوجود ، صدق على أحدهما أنه يجب أن يكون مقدورا لله تعالى ، ويمتنع أن يكون مقدورا للعبد ، وصدق على الثاني أنه يجب أن يكون مقدورا للعبد ، ويمتنع أن يكون مقدورا لله تعالى. والتباين باللوازم والصفات ، موقوف على التباين بالحقائق والماهيات. فثبت : أنه لو لم يكن مقدور العبد ، مقدورا لله تعالى ، لوجب أن يكون الانتقال الذي هو مقدور للعبد ، مميزا عن الانتقال الذي هو مقدور لله تعالى ، قبل الدخول في الوجود. إلا أن هذا محال لوجهين:
الأول : إنه يلزم منه كون المعدوم شيئا ، وهو محال (1).
صفحه ۷۹