أن ذلك إشارة إلى الأحكام واللوازم. وقد ثبت : أن الأشياء المختلفة في الماهيات ، لا يمتنع اشتراكها في لازم واحد. فلم قلتم : أن جميع الأجسام بأسرها متساوية في ماهياتها. حتى يتم لكم ما ذكرتم؟ سلمنا : أن الأجسام بأسرها متساوية في تمام الماهية. لكن لم قلتم : «إن الأفراد المتساوية في تمام الماهية ، يجب أن يصح على كل واحد منها ما يصح على الآخر»؟ بيانه : وهو أن تلك الأفراد ، وإن كانت متساوية في الماهية ، لكنها مختلفة في التشخص والتعين. وإلا لكان كل واحد عين الآخر. وحينئذ لا يبقى التعدد. وإذا كان كذلك ، فلم لا يجوز أن يكون ذلك التعين شرطا لحصول ذلك الحكم ، في أحد الطرفين ، أو مانعا منه في الطرف الآخر؟.
سلمنا : أن التعين ساقط الاعتبار ، لكن قولكم : «يصح على الشيء ما يصح على مثله» : منقوض بصور كثيرة :
الأول : إن أفراد النوع الأخير متساوية في تمام الماهية. مع أن تعين هذا يمنع حصوله لذاك ، وتعين ذاك يمتنع حصوله لهذا. وإلا لصار هذا عين ذاك ، وذاك عين هذا. وكل ذلك محال فمحال أن يكون مقدور العبد مثل المقدور الله تعالى. ثم لم يلزم منه أن يكون مقدور العبد بحيث صح أن يكون مقدورا لله تعالى على مذهب المعتزلة لأن عندهم مقدور واحد بين قادرين : محال.
الثالث : إن مشايخ المعتزلة : مذهبهم : أن الذوات متساوية في كونها ذوات. وإنما يخالف بعضها بعضا لأجل اختصاص كل واحد منها بصفته الخاصة. فعلى هذا : ذات الله تعالى مساوية لسائر الذوات في الذاتية. ثم لم يلزم منه أن يصح على كل واحد من الذوات كل ما يصح على سائر الذوات. وإلا لزم أن يصح على ذات الله : الحدوث والإمكان ، والحاجة إلى المحل ، وأن يصح على ذوات المحدثات كونها قديمة ، واجبة الوجود. وكل ذلك محال.
الرابع : إن صفة الوجود عندهم صفة واحدة. فيكون الوجود الحاصل في السواد والبياض : مساويا للوجود الحاصل في ذات الله. ولم يلزم الاستواء في جميع الأحكام.
الخامس : عندهم العرض القائم بمحل يمنع حلوله في المحل الثاني (1)، مع أن مثل ذلك العرض ، قد يكون قائما بالمحل الثاني. فههنا المتماثلات في تمام الماهية ، قد اختلفت في اللوازم.
السادس : إن الإرادتين المعلقتين بالمراد الواحد ، على الوجه الواحد : مثلان. ثم إن
صفحه ۷۳