الأول : إنه تعالى لما علم من الكافر أنه لا يؤمن ، كان صدور الإيمان منه يستلزم انقلاب علم الله جهلا. وهذا محال. ومستلزم المحال محال. فيلزم : أن يكون صدور الإيمان عنه محالا (1).
الثاني : إن وجود الإيمان ، يستحيل أن يحصل مع العلم بعدم الإيمان. لأنه إنما يكون علما ، لو كان مطابقا للمعلوم. والعلم بعدم الإيمان ، إنما يكون مطابقا لو حصل عدم الإيمان. فلو وجد الإيمان مع العلم بعدم الإيمان ، يلزم أن يجتمع في الإيمان كونه موجودا ومعدوما معا. وهو محال. أنه تعالى لما علم منه عدم الإيمان كان وجود الإيمان منه محالا. ولو علم منه وجود الإيمان ، كان عدم الإيمان منه محالا.
والثالث : إنه تعالى أخبر عن أقوام معينين : أنهم لا يؤمنون كقوله : ( إن الذين كفروا. سواء عليهم أأنذرتهم ، أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) (2) وقوله : ( لقد حق القول على أكثرهم. فهم لا يؤمنون ) (3) فهؤلاء الذين أخبر الله عنهم ، أنهم لا يؤمنون. لو آمنوا ، لانقلب خبر الله ، الصدق : كذبا ، وهذا محال والمؤدي إلى المحال محال. فوجب أن يكون صدور الإيمان منهم محالا.
الرابع : إنه تعالى كلف هؤلاء الذين أخبر عنهم بأنهم لا يؤمنون البتة : بالإيمان ، والإيمان يعتبر فيه تصديق الله في كل ما أخبر عنه. ومما أخبر عنهم : أنهم لا يؤمنون قط. فقد صاروا مكلفين بأن يؤمنوا بأنهم لا يؤمنون قط. وهذا تكليف بالجمع بين الضدين (4). وذلك لا يوجد البتة ، ويمتنع وجوده. فثبت : أن هؤلاء الذين أخبر الله عنهم أنهم لا يؤمنون : يستحيل صدور
صفحه ۵۸