الناس في العقائد والأخلاق ، بناء على هذا السبب : تفاوتا غير مضبوط.
فثبت بما ذكرنا : أن كل واحد من هذه الأسباب الستة : جنس تحته أنواع غير محصورة. وإن اختلافها يوجب اختلاف الناس في العقائد ، وفي الأفعال.
والمقدمة الثانية في بيان كيفية صدور الأفعال عن الحيوانات : اعلم أن كل حيوان يفعل فعلا. فهو إنما يفعل ذلك الفعل. إذا اعتقد أن فعله خير له من تركه. فإن لم يحصل هذا الاعتقاد ، امتنع إقدامه عليه. ولأجل هذا المعنى فإنه يسمى هذا المؤثر فاعلا. لأن المختار هو الذي يكون طالبا. ولا يكون خيرا إلا بحسب اعتقاده وتخيله.
والمقدمة الثالثة : إن المطلوب بالذات لكل حيوان ، هو اللذة والسرور. والمهروب عنه بالذات هو الألم والغم. وكل ما سوى هذين القسمين ، فهو مطلوب بالغرض ، لا بالذات فالفعل الصادر عن الإنسان. إن كان هو تحصيل اللذة ، أو إزالة الألم. فهي الشيء مطلوب. فتكون غايته وغرضه هو عين ذاته. وإن كان الفعل الصادر عن الإنسان يكون وسيلة إلى أحد هذين الأمرين ، كان مطلوبا بالغرض والتبع. وكان غرضه وغايته ، أمرا مغايرا له. فثبت بهذا : أنه لا يجوز أن يقال في كل فعل : إنه إنما فعله بشيء آخر. وإلا لزم إما التسلسل ، وإما الدور.
والمقدمة الرابعة : وهي أن البنية السليمة ، والمزاج الصحيح ، هو الذي ، لو انضمت إليه داعية الفعل ، ولم يكن هناك مانع ، فإنه يحصل ذلك الفعل. ولو انضمت إليه داعية الترك ، ولم يكن هناك مانع ، فإنه يحصل الترك ، فتكون الأعضاء سليمة.
وهذا التفسير هو المراد من كون الحي قادرا على الفعل.
وإذا عرفت هذه المقدمات. فنقول : إنا إذا تصورنا أمرا. فإن كان ذلك التصور نفعا ، ترتب على ذلك التصور طلب تحصيله. وإن كان ضررا ، ترتب عليه هرب ونفرة. ثم إذا صار ذلك الشيء مطلوب الحصول ، ترتب عليه طلب جازم بإن المفضي إليه لا بد من تحصيله وهذا هو الإجماع الجازم والشوق التام إلى تحصيل الفعل. ثم إذا حصل هذا الإجماع والشوق تحركت الأعضاء.
فههنا مراتب أربعة أقربها إلى الفعل : هو القوة المحركة للأعضاء. وهي التي سميناها بسلامة المزاج ، واعتدال البنية. ويتقدمها : الإجماع الجازم على الفعل. ويتقدمه : الميل اللذيذ أو
صفحه ۵۳