والخطباء والشعراء يذمون ويمدحون بهذه المعاني فيقولون : فلان له نفس كريمة سخية. وفلان له نفس لئيمة نذلة ضعيفة. بل لو اعتبرنا وتأملنا ، لعلمنا أن تفاوت الخلق في هذه المعاني ، قد يكون الأكثر جبليا غريزيا. حتى أن النفس النذلة ، لو اجتمع العالمون في إزالة تلك النذالة عنها ، فإنها لا تزول. ولا أعني بهذا : أفعال النذالة والخزية. فإن تلك الأفعال قد تتبدل بالتكلف. وإنما أعني به : الأخلاق النفسانية ، والملكات الغريزية.
والسبب الثاني من الأسباب الداخلية : اختلاف أحوال الأمزجة. فإن من كان حار المزاج. وخصوصا مزاج الدماغ. فإنه يكون شديد الغضب ، مشوش الفكر. ومن كان بارد الدماغ ، كان بليدا ، ناقص الفكر. ومن كان يابس الدماغ ، فإنه تضعف عليه الأفكار لأن دماغه بسبب ما فيه من اليبس ، لا يقبل الصور النفسانية ، قبولا سهلا. ومن كان رطب الدماغ ، فإنه لا يكمل فكره. لأن الصور الدماغية ، تصير منحجبة عن الدماغ ، زائلة عنه ، بسبب ما فيه من الرطوبة (1).
والسبب الثالث من الأسباب الداخلية : اختلاف أشكال الأعضاء. فإن كبر مقدم الرأس ، يفيد قوة التخيل. وكبر مؤخر الرأس ، يفيد قوة الحفظ. وجودة شكل الرأس ، يفيد جودة الفكر ، وانتظام الأحوال السياسية. وهذه أمور ، من اعتبرها وتتبع أحوالها ، عرف أن الأمر كما ذكرناه. وكتب الأخلاق والفراسة والطب ، ناطقة بصحة ما ذكرناه (2). دالة على تفاصيل أحوالها ، وتعيين أسبابها. فثبت أن اختلاف مراتب هذه الأمور الثلاثة ، يوجب اختلاف أحوال القوى المدركة ، واختلاف أحوال القوى المحركة. أعني اختلاف الأحوال في السخاوة والبخل ، والفظاظة والرقة ، والبلادة والذكاء. وأشباهها.
وأما الأسباب الخارجية من ذات الإنسان. فهي أيضا أمور ثلاثة : أولها الألف والعادة
صفحه ۵۱