وأخرى أتت من سيادة ملك ليبيا - إدريس السنوسي - وهي أنه قبل الجلوس على العرش، قد عدل بل ألغى كل ما أعطاه إياه الدستور من سلطات واسعة، واختصاصات كبيرة. وهذا ما وعد به السيد كميل شمعون - رئيس جمهوريتنا - وسوف يفي متى جدد ...
وثالثة جاءت من هذا الرجل الذي يذكرنا الخلفاء الراشدين والبطاركة الأولين. قد أمر بأن يرفع اسمه من الشوارع والميادين والمؤسسات، وكذلك أسماء أفراد عائلته.
وذكرني إلغاؤه الاحتفال بعيد مولده، وحذفه من أيام التعطيل، بما قرأت عن الإخوان الوهابيين حين رأوا بدعا في عيد جلوس الملك عبد العزيز آل سعود، فكتبوا إليه معنفين وأجابهم مسترضيا إياهم. ومن قانون البيت المالك، ألغى السنوسي جميع الحصانات والامتيازات، وأمر أن لا تقبل هدية ودية فردية أو جماعية تقدم له بمناسبة عيد ميلاده أو عقد قران ملكي ...
إن هذه الديمقراطية والمساواة طبع عربي أصيل، أما غضب الإمام علي - كرم الله وجهه - حين سمى عمر الفاروق خصمه اليهودي، وكناه هو؟
وخاتمة المطاف، أمر السنوسي أن تدفع الرسوم الجمركية عن مستورداته الخاصة.
مرحى وألف مرحى لهذا الحاكم الصالح، وإذا لم تل الأحكام رجال على شاكلته، فلا تتم نهضتنا السياسية والقومية الإنسانية. لقد أغوانا التكالب على جمع المال بالحرام والحلال، وصارت المناصب مناصب ترفع عليها قدور المنفعة والإثراء ... فبينا يكون الرجل - عندنا - لا يظفر بعشاه إلا بالكد، إذا به يقيم المآدب ويحيي السهرات؛ أسوة بالذوات. لقد وقع على صندوق سائب، فقبر الفقر إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين. ولا أقول آمين، لئلا أدعو على الشعب البائس المسكين.
المعركة الانتخابية
ما كان يصلي أحد لولا ما يرجوه عند ربه من ثواب، فهل نلوم رجلا يسعى لإدراك النيابة وهي أكلة شهية غير ثقيلة على المعدة ؟!
في كل الدنيا تشتد الحملات الانتخابية وينفق المرشحون عن سعة، وإذا لم يكن عندهم مال اقترضوا أو استدانوا؛ ليضمنوا الفوز. فلا نظنن أن لا أحد يبذل في هذا السبيل إلا المرشح اللبناني، فغيرنا يعد العدة لهذا الأمر، ثم لا ينام لئلا تفوته الفرصة الذهبية؛ فرصة خدمة الأمة، ولذاك تراه بعد الفوز أشد منه حماسة قبله، ولا يتنكر للناخبين قط، وقد يكون هذا هو الفرق بيننا وبين الآخرين. أما البذل والإنفاق فلا بد منهما، وليس على الإنفاق حرج إذا كان بلا نفاق. فواشنطون ولنكولن - الرئيسان العظيمان - أقلقتهما ديون الحملة الانتخابية.
إننا نطلب وجوها جديدة ودما جديدا لمجلسنا العتيد، ولكن الوجوه الجديدة لا دم في جيوبها ... أما عندهم، فالأحزاب هي التي تعطي الدم ... أما الناخب اللبناني، فقلما يباع ويشترى، ولا يساق كالنعاج كما يخيل إلينا، وأكثر الناس لوما وتقريعا للناخبين هم الذين كانوا سماسرة، ثم انقلبوا مصلحين يحدثون الناس عن المثل العليا والبطولة المثلى ...
صفحه نامشخص