Provision for the Caller to God
زاد الداعية إلى الله
ناشر
دار الثقة للنشر والتوزيع
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤١٢ هـ - ١٩٩٢ م
محل انتشار
مكة المكرمة
ژانرها
* أقول إن الحكمة تأبى أن يتغير العالم بين عشية وضحاها فلابد من طول النفس، واقبل من أخيك الذي تدعوه ما عنده اليوم من الحق، وتدرج معه شيئًا فشيئًا حتى تنتشله من الباطل، ولا يكن الناس عندك على حد سواء، فهناك فرق بين الجاهل والمعاند.
* ولعل من المناسب أن أضرب أمثلة من دعوة الرسول ﷺ:
* المثال الأول: دخل رجل أعرابي والنبي ﷺ، جالس في أصحابه في المسجد فبال الأعرابي في طائفة من المسجد فزجره الناس - والزجر هو النهر بشدة - ولكن النبي ﷺ، وهو الذي أعطاه الله تعالى من الحكمة نهاهم، فلما قضى بوله أمر ﷺ أن يراق على بوله ذنوبًا من ماء - يعني دلوًا - فزالت المفسدة فدعا الرسول ﷺ، الأعرابي فقال له: «إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى أو القذر إنما هي للصلاة وقراءة القرآن» (١) . أو كما قال ﷺ، فانشرح صدر الأعرابي لهذه المعاملة الحسنة، ولهذا رأيت بعض أهل العلم نقل أن هذا الأعرابي قال: «اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا» . لأن محمدًا ﷺ، عامله هذه المعاملة الطيبة، أما الصحابة رضوان الله عليهم فسعوا في إزالة المنكر من غير تقدير لحال هذا الرجل الجاهل.
* المثال الثاني: معاوية بن الحكم ﵁ جاء والنبي ﷺ، يصلي بالناس فعطس رجل من القوم فقال الحمد لله - فإذا عطس أحد في الصلاة فليقل الحمد لله سواء في القيام أو في الركوع أو في السجود - قال هذا الرجل: الحمد لله، فقال له معاوية: يرحمك الله، وهذا خطاب لادمي يبطل الصلاة فرماه الناس بأبصارهم وجعلوا ينظرون إليه فقال معاوية: واثكل أمِّياه - والثكل الفقد وهذه كلمة تقال ولا يراد معناها، وقد قالها النبي ﷺ لمعاذ بن جبل ﵁ حين قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال قلت: بلى يا رسول الله. قال: كف عليك هذا وأخذ بلسانه وقال: كفه عليك، فقال معاذ: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: «ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم» (٢) . ثم مضى معاوية ﵁ في صلاته فلما أتم الصلاة دعاه
_________
(١) أخرجه البخاري كتاب الوضوء باب ترك النبي ﷺ والناس الاعرابي حتى فرغ من بوله في المسجد (٢١٩) وكتاب الوضوء باب صب الماء على البول في المسجد (٢٢١) وكتاب الادب باب الرفق في الامر كله (٦٢٥) ومسلم كتاب الطهارة باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات (٢٨٥)
(٢) أخرجه الامام أحمد (٢٢٣٦٦) والترمذي أبواب الإيمان باب ما جاء في حرمة الصلاة (٢٦١٦) وابن ماجه أبواب الفتن باب كف اللسان في الفتنة (٣٩٧٣)
1 / 19