Preliminaries of Marriage
مقدمات النكاح
ناشر
الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة
شماره نسخه
العدد ١٢٨-السنة ٣٧
سال انتشار
١٤٢٥هـ
ژانرها
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيهَا الذِيْنَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِه وَلا تَمُوتنَّ إِلا وَأنْتمْ مُسْلِمُونَ﴾ (١) .
﴿يَا أيُّهَا النَّاسُ اتقُوا رَبَّكمْ الَّذِي خَلَقَكمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحدَة وَخَلَقَ مِنهَا زوجَهَا وبَث مِنهمَا رِجَالًا كثِيرًا وَنسَاءً واتقُوا اللهَ الَّذي تَساءَلُون بِه وَالأرحَام إِنَّ اللهَ كان علِيْكم رقِيبًا﴾ (٢) .
﴿يَا أَيهَا الذِيْنَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدا يُصْلِحْ لكمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لكمْ ذُنُوبَكُم وَمَنْ يُطِع الله وَرَسُولَهُ فقَدْ فَازَ فُوْزا عَظِيْمًا﴾ (٣) . (٤)
أما بعد:
فقد حث النبي ﷺ على النكاح ورغب فيه، وفعله ﷺ وفعله أصحابه رضوان الله عليهم اقتداء به ﷺ من بعده. فكان ذلك من سنته وسنة الأنبياء من قبله عليهم الصلاة والسلام، يقول الله تعالى في محكم الترتيل:
_________
(١) آل عمران آية ١٠٢
(٢) النساء آية ١
(٣) الأحزاب آية ٧٠ - ٧١
(٤) هذه خطبة الحاجة التي كان النبي ﷺ يعلمها أصحابه قَال عبد الله بن مسعود: علمنا رسول الله ﷺ التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة. رواها أصحاب السنن.
انظر: سنن أبي داود كتاب النكاح ٢/ ٢٣٨ وستأتي إن شاء الله تعالى في خطبة النكاح في المبحث الرابع ضمن مباحث هذا الكتاب.
1 / 197
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً﴾ (١)، ومعنى الآية الترغيب في النكاح والحث عليه، فهو سنة المرسلين كما نصت عليه الآية، وقد جاء في السنة ما يدل على ذلك، عن أبي أيوب قَال: قَال رسول الله ﷺ: "أربع من سنن المرسلين: الحياء والتعطر والسواك والنكاح" (٢) .
والنكاح عند الفقهاء هو عقد التزويج على اختلاف فيما بينهم هل يطلق عليه حقيقة أو مجازًا. (٣)
ولقد أحببت الكتابة في مقدمات النكاح أوضحت فيها أحكام الناكح مطلقًا سواء كان رجلًا أو امرأة، حيث يقال امرأة ناكح أي ذات نكاح، كما يقال حائض وطاهر وطالق أي ذات حيض وطهارة وطلاق، ولا يقال ناكح إلا إذا أرادوا بناء الاسم من الفعل فيقال: نكَحَت فهي ناكح. (٤)
كما في حديث سبيعة بنت الحارث الأسلمية (٥) الَّذِي جاء فيه:
فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك (رجل من بني عبد الدار) (٦) فقال لها: مالي أراك متجملة ترجين النكاح، إنك والله ما أنت بناكح ... الحديث. (٧)
_________
(١) سورة الرعد آية ٣٨
(٢) رواه الترمذي في أبواب النكاح وقال: حديث أبي أيوب حديث حسن، سنن الترمذي الباب الأول من أبواب النكاح ٢/٢٧٢ رقم ١٠٨٦.
(٣) انظر: المغني ٩/ ٣٣٩.
(٤) انظر: النهاية ٥/١١٤، واللسان مادة نكح ٢/٦٢٦.
(٥) انظر: ترجمتها في الاستيعاب لابن عبد البر ٤/٣٢٣، والإصابة ٤/٣١٧.
(٦) انظر: ترجمته في أسد الغابة ٥/١٥٦، والإصابة ٤/٩٦.
(٧) رواه مسلم في كتاب الطلاق باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل ٢/١١٢٢ بر قم ١٤٨٤.
1 / 198
ومن ذلك أيضًا قول قيلة بنت مخرمة التميمية (١): انطلقت إلى أخت لي ناكح في بني شيبان (أي ذات نكاح) يعني متزوجة فهي ذات زوج. (٢)
وفي حديث فاطمة ﵂ قالت: «وهذا علي ناكح بنت أبي جهل» (٣) .
قَال الحافظ: هكذا أطلقت عليه اسم الفاعل مجازًا لكونه أراد ذلك وصمم عليه، فنَزلته منْزلة من فعله. (٤)
وفي الحديث عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قَال: "ثلاثة حق على الله عونهم المكاتب يريد الأداء والناكح يريد العفاف والمجاهد في سبيل الله" (٥) .
* خطة البحث:
وقد قسمت الكلام في هذا الموضوع إلى المباحث التالية:
المبحث الأول: تعريف النكاح في اللغة والاصطلاح، وأدلة مشروعيته.
المبحث الثاني: الصفة الشرعية للنكاح.
المبحث الثالث: الأسس التي وضعها الشارع الحكيم لاختيار الزوج والزوجة.
المبحث الرابع: خطبة المرأة وحكم النظر إلى المخطوبة.
_________
(١) انظر: ترجمتها في الإصابة ٤/٣٨٠ برقم ٩٠١.
(٢) انظر: غريب الحديث للخطابي ١/٤٠٥، والنهاية ٥/١١٤.
(٣) رواه مسلم في فضائل فاطمة من حديث طويل ٤/١٩٠٤ رقم ٩٦ (٢٤٤٩) .
(٤) فتح الباري ٩/٣٢٨.
(٥) أخرجه الترمذي في أبواب الجهاد ٣/١٠٣رقم الحديث ١٧٠٦ ورقم الباب ٢٠، والنسائي في النكاح باب معونة الله الناكح٦/٦١ رقم ٣٢١٨، والحاكم في كتاب النكاح وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ٢/١٦٠ - ١٦١.
1 / 199
المبحث الخامس: الإذن في النكاح.
المبحث السادس: أركان عقد النكاح.
المبحث السابع: الولاية في النكاح.
المبحث الثامن: الكفاءة.
المبحث التاسع: الشهادة.
المبحث العاشر: وليمة العرس.
المبحث الحادي عشر: الصداق. (ونظرا لطول هذا المبحث أفرده بكتاب مستقل يطبع قريبا - إن شاء الله تعالى) .
ولقد سلكت في كتابة هذا الموضوع المنهج الآتي:
١- اقتصرت فيه على المسائل التي ذكرها الفقهاء في أبواب النكاح دون غيره من الأبواب المتعلقة به كالطلاق والخلع والعدة وما أشبه ذلك.
٢- أذكر المسألة وأقوال الفقهاء فيها مع التوثيق من كتب المذاهب الأربعة المشهورة.
٣- أذكر الأدلة مع بيان وجه الاستدلال منها ما أمكن.
٤- بيان القول الراجح في كل مسألة بقدر المستطاع.
٥- عزو الآيات وتخريج الأحاديث والآثار، وأكتفي في الغالب من الصحيحين.
٦- شرح الغريب من الكلمات من كتب غريب الحديث وأمهات كتب اللغة.
٧- ترجمت الأعلام الوارد ذكرهم ما عدا المشهور منهم.
٨- جعلت فهارس متنوعة للآيات والأحاديث والغريب والمصادر
1 / 200
والموضوعات.
ولقد ارتضيت في كتابة هذا الموضوع المنهج الوسط فلم أشأ الإطالة فيه ولا الإخلال بل نهجت القصد في ذلك وحسبي أنني بذلت جهدي قدر المستطاع في إخراج هذا البحث على الصورة التي أرجو أن تكون مقبولة. فإن كانت كذلك فهذا فضل الله ومنته، وإن كانت غير ذلك فأرجو النصيحة من كل من قرأ هذا البحث واطلع عليه، فرحم الله من أهدى إليّ عيوبي، فالمسلم مرآة أخيه المسلم.
ولا يفوتني في هذا المقام أن أتوجه بالشكر والفضل لله ﷿، فله الحمد والثناء على ما منّ به علينا من النعم التي لا تعد ولاتحصى وأجلها نعمة الإسلام والأمن والأمان والتي قل ما توجد في بلد من البلدان، وأسأله ﷾ أن يديم على بلادنا بلاد الحرمين الشريفين أمنها واستقرارها، وأن يحفظ لنا ولاة أمورنا وعلماءنا وأن يجعلنا هداة مهتدين، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل إنه سميع قريب مجيب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 / 201
المبحث الأول: تعريف النكاح وأدلة مشروعيته
تعريف النكاح والزواج لغة واصطلاحًا، لأن كلًا منهما يطلق ويراد به الآخر:
فالنكاح في اللغة: يطلق ويراد به الضم والجمع، مأخوذ من قولهم تناكحت الأشجار إذا انضم بعضها إلى بعض، ومن قولهم نكح المطر الأرض إذا اختلط بثراها أو اعتمد عليها. وأصل النكاح في كلام العرب هو الوطء، ولهذا سمي الزواج نكاحًا لأنه سبب للوطء المباح.
ويطلق الزواج في اللغة على الاقتران والارتباط. (١) ومنه قوله تعالى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾ (٢) أي قرناءهم.
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ (٣)، بمعنى قرنت، وقوله تعالى: ﴿وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾ (٤) بمعنى قرنّاهم.
ثم شاع استعمال هذه الكلمة على الارتباط بين الرجل والمرأة على سبيل الدوام والاستمرار بغية التناسل والاستئناس.
أما التناسل فدل عليه قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ
_________
(١) انظر تهذيب اللغة ٤/١٠٢، ١١/١٥٢ والصحاح ١/٣٢٠ و٤١٣ واللسان ٢/٢٩١ و٦٢٥ والمصباح ٢/٢٥٨ و٦٢٤.
(٢) الصافات آية ٢٢
(٣) التكوير آية ٧
(٤) الدخان آية ٥٤ والطور آية ٢٠
1 / 202
لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾ (١)
وأما الاستئناس فقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (٢) .
أما تعريفه اصطلاحا فإن أحسن ما قيل في تعريفه أنه: (عقد وضعه الشارع الحكيم يفيد ملك استمتاع الرجل بالمرأة، وحل استمتاع المرأة بالرجل أصالة) (٣) .
وقد اشتمل التعريف على ثلاثة أمور:
الأول: ملك استمتاع الرجل بالمرأة.
ومعناه: أن الاستمتاع بهذه المرأة ملك خاص للرجل وليس لأحد غيره بعقد ولا بغيره الاستمتاع بهذه المرأة، كما لا يجوز لهذه المرأة الاستمتاع برجل غيره.
الثاني: حل استمتاع المرأة بالرجل: ومعناه أنه يجوز لهذا الرجل الاستمتاع بمرأة أخرى وليس ممنوعًا عليه ذلك ويجوز لامرأة أخرى الاستمتاع بهذا الرجل، ومعنى ذلك جواز التعدد بالنسبة للرجل، ولا يعتبر عن جانب المرأة بالملك لأن ذلك يوهم بعدم جواز التعدد وهذا مخالف للنصوص الشرعية الدالة على هذا الأمر المباح.
الثالث: أصالة: خرج به وطء الأمة المملوكة، فوطؤها لا يسمى نكاحًا،
_________
(١) النحل آية ٧٢
(٢) الروم آية ٢١
(٣) انظر: الأحوال الشخصية لعبد العظيم شرف الدين ص ٥
1 / 203
وإنما يسمى ملك يمين، لأن باب النكاح بالحرائر محدود، وملك اليمين باب مفتوح غير محدد بعدد معين.
* أدلة مشروعية النكاح
ثلاثة أنواع من الأدلة دلت على مشروعية النكاح وهي:
أولًا الأدلة من الكتاب: حيث جاءت الآيات الكثيرة الدالة على مشروعيته ومنها:
قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (١) .
وقوله تعالى: ﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ (٢) .
وقوله تعالى: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾ (٣) .
ثانيًا - من السنة: جاءت الأحاديث الصحيحة الصريحة على مشروعية النكاح ومنها:
١- حديث عبد الله بن مسعود قَال: قَال رسول الله ﷺ: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" (٤) .
_________
(١) الروم آية ٢١
(٢) النور آية ٣٢
(٣) النساء آية ٣
(٤) رواه البخاري ومسلم، انظر: البخاري مع الفتح كتاب الصوم باب الصوم لمن خاف على نفسه العزبة ٤/١١٩ رقم ١٩٠٥ وكتاب النكاح باب من لم يستطع الباءة فليصم ٩/١١٢ رقم ٥٠٦٦ وصحيح مسلم كتاب النكاح باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنه ٢/١٠١٨ رقم ١٤٠٠
1 / 204
والباءة فيها أربع لغات. المشهورة بالمد والهاء، والثانية الباة بلا مد، والثالثة الباء بالمد بلا هاء، والرابعة الباهة بهاءين بلا مد، وأصلها في اللغة قيل: الجماع مشتقة من المباءة وهي المنزل وقيل: أن المراد بالباءة مؤن النكاح. وأما الوجاء فبكسر الواو وبالمد، وهو رضي الخصيتين والمراد أن الصوم يقطع الشهوة كما يفعله الوجاء. (١)
٢- حديث الرهط أو النفر الَّذِين جاءوا إلى بيوت أزواج النبي ﷺ يسألون عن عبادته، فلما أخبروا بذلك كأنهم تقالوها، فقالوا: أين نحن من رسول الله ﷺ وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أما أنا فأعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء النبي ﷺ فقال: "أنتم الَّذِين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصلي وأرقد، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني" (٢) .
فهذه النصوص تفيد الأمر، والأمر يفيد طلب الفعل، والطلب يدل على مشروعية النكاح.
ثالثًا - الإجماع: أجمع العلماء على مشروعية النكاح، قَال ابن قدامة: أجمع المسلمون على أن النكاح مشروع (٣) .
_________
(١) انظر: شرح النووي لمسلم ٩/١٧٣ والنهاية ١/١٦٠
(٢) رواه البخاري، انظر: البخاري مع الفتح كتاب النكاح ٩/١٠٤ رقم ٥٠٦٣ ومسلم كتاب النكاح باب استحباب النكاح ٢/١٠١٨ واللفظ للبخاري.
(٣) انظر: المغني ٩/٣٣٩ والشرح الكبير ٤/١٥٢
1 / 205
* الحكمة من مشروعية النكاح
لقد اعتنى الإسلام بالنكاح وحث عليه ورغّب فيه، وذلك من أجل الآثار النافعة المترتبة عليه، وهذه الآثار النافعة منها ما يعود على الفرد ومنها ما يعود على الأسرة، ومنها ما يعود على المجتمع، ومنها ما يعود على الناس جميعًا.
من الآثار التي تعود على الفرد:
حسبك في النكاح إشباع الغريزة الفطرية التي أودعها الله في الإنسان، والتي تلح على صاحبها في إيجاد مخرج لها، وليس هناك طريق لإشباع هذه الغريزة سوى النكاح، وهذه الغريزة لو أنها كُبتت ولم يوجد لها مخرج لأدت بالإنسان إلى القلق والاضطراب، والصراع النفسي، ولهذا شرع النكاح لإشباع هذه الغريزة، وصيانة للإنسان عن ارتكاب ما حرم الله تعالى، فيجد الإنسان في النكاح الإستقرار والطمأنينة والهدوء، وهذا ما دل عليه قوله تعالى: ﴿وَجَعَل بينَكم مودة وَرَحْمة﴾ (١) فتسكن النفس وتطمئن العاطفة (٢) .
ما يعود على الأسرة:
الأسرة تتكون من الزوجين، والعلاقة بينهما والرابطة هي الزواج والنكاح، فكلما حسنت هذه العلاقة قويت الأسرة وقامت بواجبها خير قيام وعلى أحسن حال وقد بين الله ما يحسن هذه العلاقة، وذلك بجعل القوامة في الأسرة للرجل، قَال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ (٣)، فإذا كانت
كذلك استمرت الأسرة على أحسن وجه وقامت بواجبها خير قيام.
_________
(١) سورة الروم آية ٢١.
(٢) انظر: فقه السنة ٢/١٣.
(٣) النساء آية ٣٤
1 / 206
ما يعود على المجتمع:
المجتمع يتكون من مجموعة من الأسر، والرابطة بين هذه الأسر هي الزواج، فالزواج يكوّن من هذه الأسر وحدة متكاملة متماسكة متعاونة، وقد بين الله ذلك بقوله: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ (١) .
ما يعود على الناس جميعًا:
إن في النكاح حفظًا للنوع الإنساني أو البشري، وبه بقاء هذا النوع، فيعد النكاح هو الطريق الصحيح لتكثير النسل والإنجاب وكثرة الأولاد على الوجه المشروع، ومن ذلك أيضًا أن في النكاح حفظًا للنساء والإنفاق عليهن، فالمرأة عاجزة عن تحمل أعباء الحياة، وتحتاج إلى رعاية، فيعد الزواج بيت الأمان بالنسبة للمرأة، وبيت الاطمئنان والقرار، فلا راحة ولا استقرار لها إلا في بيت زوجها، فهي أحوج إلى الزواج من الرجل، وفيه أيضًا تحديد للمسؤولية بتبعية النكاح ورعاية الأولاد وبذل الجهد في استقرار عش الزوجية بين الزوج والزوجة ففي النكاح تحديد لمسؤولية كل من الرجل والمرأة، (٢) فالرجل يسعى للإنفاق على هذا البيت وعلى تحقيق السعادة فيه، والزوجة تقوم برعاية أولادها ورعاية شئون بيتها، ففي الزواج يشعر كل من الزوجين بما يجب عليه تجاه الآخر، وقد نقل عن الإمام أحمد قوله: من دعاك إلى غير التزويج فقد دعاك إلى غير التزويج فقد دعاك إلى غير الإسلام. (٣)
_________
(١) الحجرات آية ١٣
(٢) انظر: فقه السنة ٢/ ١٤.
(٣) انظر: المغني ٩/٣٤١
1 / 207
المبحث الثاني: حكم النكاح
بمعنى الصفة الشرعية: أي ما يثبت للنكاح شرعًا هل مطلوب فعله أو مطلوب تركه؟
والصفة الشرعية للنكاح تختلف باختلاف الإنسان نفسه، فهي لا بد لها من مقومات ثلاث:
الأول: القدرة على مطالب النكاح.
الثاني: الثقة في إقامة العدل بالنسبة لمعاملة المرأة.
الثالث: اعتدال الغريزة الطبيعية في الإنسان من عدمها.
فبالنظر إلى هذه المقومات نجد أن الصفة الشرعية تنقسم إلى حالات ثلاث:
الحالة الأولى:
إذا كان الرجل قادرًا على مطالب النكاح، واثقًا في إقامة العدل في معاملة المرأة، ويخشى من الوقوع في الزنا.
فالنكاح واجب في هذه الحالة (١)، لأنه لا بد للمسلم من إعفاف نفسه من الوقوع في المحرم وهناك قاعدة شرعية أصولية وهي: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) (٢) .
الحالة الثانية:
أن يكون الفرد قادرًا على مطالب النكاح، واثقًا في إقامة العدل في
_________
(١) انظر: الإفصاح لابن هبيرة ٢/١١٠، والمغني ٩/٣٤٠، وشرح فتح القدير لابن الهمام ٣/١٨٧
(٢) انظر: القاعدة في كتاب القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام القاعدة ١٧ ص ٩٤
1 / 208
معاملة المرأة، معتدل الطبيعة البشرية، لا يخشى على نفسه من الوقوع في الزنا.
فهذه الحالة محل خلاف بين الفقهاء على ثلاثة أقوال:
القول الأول: قَال الظاهرية بالوجوب، وهو رواية عند الحنابلة، وقول عند الشافعية. (١)
القول الثاني: النكاح مباح في هذه الحالة، والتخلي للعبادة أفضل، وهو مذهب الشافعية. (٢)
القول الثالث: النكاح سنة مؤكدة، وهذا مذهب جمهور أهل العلم. (٣)
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بظواهر النصوص الدالة على الزواج، وقالوا إنَّ هذه النصوص الأمر فيها للوجوب، ومن هذه النصوص:
أ - قوله تعالى: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾ (٤) .
ب - وقوله تعالى: ﴿وَأَنكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ﴾ (٥) .
ج - واستدلوا أيضًا بحديث عكّاف بن وداعة الهلالي الَّذِي رواه أحمد، أن النبي ﷺ قَال له: "ياعكاف هل لك من زوجة؟ " قَال: لا، قَال "ولا جارية؟ " قَال ولا جارية، قَال: "وأنت موسر بخير"، قَال: وأنا موسر بخير، قَال النبي ﷺ: "إنك من
_________
(١) انظر: المحلى ٩/٤٤٠ والحاوي الكبير ٩/٣١ والمبدع ٧/٥
(٢) انظر: مختصر المزني باب الترغيب في النكاح ص ١٦٣ والمهذب ٢/٣٥ وروضة الطالبين ٧/١٨
(٣) انظر: المغني ٩/ ٣٤١ وشرح فتح القدير ٣/١٨٩ والخرشي على مختصر خليل ٣/١٦٥
(٤) النساء آية ٣
(٥) النور آية ٣٢
1 / 209
أخوان الشياطين" (١) . فهذا تنفير من النبي ﷺ على من ترك النكاح وهو قادر عليه.
واستدل الشافعية أولًا: بقول الله ﷿ مادحًا يحيى ﵇: ﴿وَسَيِّدًا وَحَصُورًا﴾ (٢)، وقالوا إن معنى الحصور هو: من يتجنب النساء مع القدرة على ذلك قاله الشافعي (٣)، ولو كان النكاح أفضل لما مدح الله ﷿ يحيى بتركه.
ثانيًا: بقوله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ﴾ (٤) الآية.
وهذه الآية جاءت في سياق الذم وهذا يدل على أن التخلي للعبادة أفضل.
قَال البغوي: فيه إشارة إلى التزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة. (٥)
واستدل الجمهور:
بأن النبي ﷺ حثّ على النكاح ورغّب فيه، وفعله ﵊، وهذا الفعل منه ﷺ يدل على أنه سنة، وترغيبه وحثه يدل على أنه سنة مؤكدة.
_________
(١) انظر: المسند ٥/١٦٣ ومصنف عبد الرزاق ٦/١٧١ يرقم ١٠٣٨٧ والحديث ضعيف انظر: الموسوعة الحديثية مسند الإمام أحمد ٣٥/٣٥٥، وذكر ابن حجر لهذا الحديث طرقا وقال: لا تخلو من ضعف واضطراب. انظر: الإصابة ٢/٤٨٩.
(٢) آل عمران آية ٣٩
(٣) انظر: مختصر المزني ص ١٦٣ والحاوي ٩/٣٢ والسنن الكبرى ٧/٨٣
(٤) آل عمران آية ١٤
(٥) تفسير البغوي ١/٢٨٤
1 / 210
وفَعَلَه الصحابة ﵃ من بعده، ولم ينقل إلينا بأنه واجب كما نقلت إلينا الواجبات الأخرى كالصلاة والصيام وما أشبه ذلك.
وقد لام النبي ﷺ كما في حديث الرهط في الصحيحين من ترك النكاح فقال: "من رغب عن سنتي فليس مني" وفي الحديث عن أنس أن النبي ﷺ كان يأمر بالباءة وينهى عن التبتل (١) . والمراد بالتبتل الانقطاع عن النكاح أو عن النساء إلى العبادة. (٢)
الترجيح: الراجح والله أعلم هو مذهب جمهور أهل العلم.
وقد أجابوا عن أدلة الظاهرية: بأن الأمر فيها ليس للوجوب والدليل على ذلك أن النبي ﷺ لم يلزم الصحابة الإلزام المعهود في مثل الواجبات ولو ألزمهم لبلغ إلينا ذلك.
وأما حديث عكّاف فأجابوا عنه من وجهين:
أولًا: إن هذا الحديث ضعيف، لأنه من رواية معاوية بن يحيى الصدفي وهو متكلم فيه، ضعيف الحديث ليس بقوي. (٣)
ثانيًا: على فرض صحة الحديث، قالوا: لعل عكّافًا توفرت فيه شروط الوجوب، فترغيبه له لا يدل على أن هذا الأمر سائغ لجميع الناس.
وأجابوا عن أدلة الشافعية:
الدليل الأول: من وجهين:
_________
(١) رواه أحمد في المسند ٣/١٥٨ والبيهقي في السنن الكبرى ٧/ ٨١، ٨٢ وابن حبان ٦/١٣٥ وحسنه الهيثمي في المجمع ٤/٢٥٨
(٢) انظر: شرح السنة ٩/٥ وفتح الباري ٩/١١٨
(٣) انظر: الجرح والتعديل للحافظ الرازي ٨/٣٨٣، ٣٨٤ رقم ١٧٥٣.
1 / 211
١- إن هذا شرع من قبلنا وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يكن في شرعنا ما يخالف ذلك، وفي شرعنا، أمر وفعل وحث وترغيب على النكاح، قَال ابن قدامة: وأما ما ذكر عن يحيى فهو شرعه وشرعنا وارد بخلافه فهو أولى. (١)
٢- يحتمل أن يكون معنى الحصور هو من يمنع نفسه عن الشهوات والمحرمات أو أنه كان لا يشتهي النساء وعلى هذا لا يصح أن تكون هذه الآية دليلًا لهم.
وأجابوا على الدليل الثاني:
تكون هذه الأشياء المذكورة في الآية في معرض الذم متى ما تهافت الناس عليها وعلى غيرها من متع الدنيا وتركوا ما يتعلق بالآخرة، وأما التوسط في حب هذه الأشياء وعدم المبالغة فيه فهو أمر محمود وهو ما فعله النبي ﷺ فيتوجه الذم إلى سوء القصد فيها وبها. (٢)
الحالة الثالثة:
أن يكون الإنسان معتدل الغريزية وقادرًا على مطالب النكاح، ولكن لا يحسن التعامل مع المرأة بل يتيقن من الوقوع في ظلم المرأة، فهذا النكاح محرم، لأنه وسيلة إلى الظلم، والظلم حرام، ففي الحديث: "لا ضرر ولا ضرار" (٣)، وفي الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا" (٤) .
_________
(١) انظر: المغني ٩/٣٤٣
(٢) انظر: زاد المسير لابن الجوزي ١/٣٦٠ - ٣٨٤ وتفسير ابن كثير ٣٥١ -٣٦١.
(٣) رواه أحمد بلفظ: «لا ضرر ولا أضرار» انظر: المسند ١/٣١٣ وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه ٢/٥٨
(٤) رواه مسلم كتاب البر باب تحريم الظلم ٤/١٩٩٤ رقم ٢٥٧٧
1 / 212
وفي حديث عبد الله بن عمر عن النبي ﷺ قَال: "الظلم ظلمات يوم القيامة" (١) .
وفي رواية عن جابر: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة» (٢) .
_________
(١) رواه البخاري في المظالم باب الظلم ظلمات يوم القيامة انظر: البخاري مع الفتح ٥/٧٣ ومسلم في كتاب البر باب تحريم الظلم ٤/١٩٩٦ رقم ٢٥٧٩
(٢) رواه مسلم في كتاب البر باب تحريم الظلم ٤/١٩٩٦ رقم ٢٥٧٨
1 / 213
المبحث الثالث: الأسس التي وضعها لاختيار الزوجين
...
المبحث الثالث: الأسس التي وضعها الشارع لاختيار الزوجين
لا شك أن المرأة هي أساس البيت وعماده فإذا كانت المرأة صالحة صلح البيت، وإذا كانت فاسدة فسد البيت، ولهذا يجب على الرجل أن يفكر طويلًا في اختيار الزوجة، وأن يحكم العقل لا مجرد العاطفة بل لا بد من التأني والروّية في اختيار الزوجة، ومعلوم أن أكثر المشاكل والخلافات الزوجية تعود إلى سوء اختيار الزوجة وإلى سوء اختيار الزوج فما هي الأسس التي وضعها الشارع الحكيم في هذا الأمر.
نبدأ أولًا بالأسس التي تراعى عند اختيار الزوجة هي:
أولًا: أن تكون الزوجة ذات دين، متدينة، متمسكة بدينها، وقد رسم لنا النبي ﷺ وبين لنا هذا الطريق بقوله في الحديث المتفق عليه: "تنكح المرأة لأربع، لمالها ولجماها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" (١) .
فهذا أمر من النبي ﷺ باختيار ذات الدين وأن من ظفر بذات الدين فليتمسك بها ولا يعدل عنها، لأن المرأة الصالحة تقوم بواجبها خير قيام من تربية أولادها، والقيام بحقوق زوجها، فالمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، وكما في الحديث: "الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة" (٢)
_________
(١) رواه البخاري في كتاب النكاح باب الأكفاء في الدين انظر: البخاري مع الفتح ٩/١٣٢ رقم ٥٠٩٠ ومسلم كتاب الرضاع باب استحباب نكاح ذات الدين ٢/١٠٨٦ رقم ١٤٦٦
(٢) رواه مسلم كتاب الرضاع باب خير متاع الدنيا ٢/١٠٩٠ رقم ١٤٦٧
1 / 214
ومعنى تربت يداك بمعنى التصقتا بالتراب وهي كناية عن الفقر وهو خبر بمعنى الدعاء لكن لا يراد به حقيقته (١)، فهي من أسماء الأضداد حيث تطلق أيضًا على الغنى. وقد تأول العلماء معنى «تربت يداك» بعدة تأويلات:
١- أن هذا كناية عن شدة الفقر التي تعتري الإنسان الَّذِي لم يظفر بذات الدين والخلق.
٢- استغنت يداك إذا ظفرت بذات الدين.
٣- أن مثل هذا الكلام جرى مجرى المخاطبة، لا يقصد به ذمًا ولا مدحًا. (٢)
ومعنى الحديث على وجه العموم:
أن الناس اعتادوا اختيار الزوجة على مزية من المزايا المذكورة في الحديث، فمن الناس من يختار الزوجة لمالها وثروتها وغناها، ومنهم من يختار المرأة لعلو مكانتها وشرفها، ومنهم من يختارها لجمالها وحسنها، ومنهم من يختارها لدينها.
من اختارها لدينها فهو الحق والصواب، لأن المرأة الصالحة تعين الرجل في أموره كلها، ودينها يمنعها من الوقوع في معصية الزوج، ومن يهمل الدين فإنه يندم أشد الندم، نعم إذا اجتمع مع الدين الجمال والحسب والمال فنعم الاختيار.
ثانيًا: أن تكون المرأة كريمة الأصل، ومعناه: أن تكون المرأة من أسرة معروفة بالصلاح والمروءة والشهامة والكرم ذات خلق وعقل حتى تقف المرأة بجانب زوجها وتشد من أزره فإن الإنسان في هذه الحالة تعتريه الصعوبات فإذا
_________
(١) انظر: غريب الحديث لأبي عبيد ٢/٩٣ وفتح الباري ٩/١٣٥
(٢) انظر: الحاوي الكبير ٩/٤٩٠، ٤٩١
1 / 215
كان كذلك يجد من وقفت بجانبه، وحسبك مثالًا خديجة بنت خويلد لما وقفت مع النبي ﷺ لما جاءها خائفًا زملوني زملوني، فقالت:
خديجة «كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدًا» (١) فوقفت بجانب النبي ﷺ وآزرته، ويتجنب الحمقاء لأن النكاح يراد للعشرة ولا تصلح العشرة مع الحمقاء ولا يطيب العيش معها، وربما تعدى ذلك إلى ولدها وقد قيل اجتنبوا الحمقاء فإن ولدها ضياع وصحبتها بلاء. (٢)
ثالثًا: أن تكون المرأة ولودًا وهذا يعرف بأقاربها، من أخواتها وعماتها وخالتها وبنات جنسها، وذلك لأن هذه المرأة تنجب الأولاد وتربيهم تربية صحيحة، فيكثر النسل، وبه يتحقق مباهاة النبي ﷺ بأُمته يوم القيامة وذلك بقوله: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة" (٣)، فيستحب أن تكون من نساء يعرفن بكثرة الولادة.
رابعًا: أن تكون المرأة بكرًا والبكر هي التي لا تعرف الرجال ولا يعرفونها بخلاف الثيب، فالزواج بالأبكار أدعى إلى الاستقرار ودوام الحياة الزوجية، وقد جاء في حديث جابر أن النبي ﷺ قَال له: "أتزوجت يا جابر"؟ قَال: نعم، قَال: "أثيبًا أم بكرا"ً، قَال: بل ثيبًا، فقال النبي ﷺ: "فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك" متفق عليه. (٤)
_________
(١) رواه البخاري في حديث طويل كتاب التفسير سورة اقر أباسم ربك الَّذِي خلق انظر: البخاري مع الفتح ٨/٧١٥ رقم ٤٩٥٣
(٢) انظر: المغني ٩/٥١٢ والشرح الكبير ٤/١٥٤
(٣) رواه أحمد في المسند ٣/١٥٨ وأخرجه أبو داود في النكاح باب تزويج الأبكار ٢/٢٢٠ رقم ٢٠٥٠ والنسائي ٦/ ٦٥وصححه ابن حبان انظر: رقم ٤٠١٧ الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٦/١٣٤.
(٤) انظر: البخاري مع الفتح كتاب النكاح باب تزويج الثيبات ٩/١٢١ رقم ٥٠٧٩، ٥٠٨٠ ومسلم كتاب الرضاع باب استحباب نكاح البكر ٢/١٠٨٧ وفي لفظ عند مسلم «فهلًا بكرًا تلاعبها» .
1 / 216